ديسمبر 31، 2014

تركيا: قرار اعتقال كولن يؤكد استمرار التلاعب بدولة القانون

أثار القرار الذي أصدرته السلطات التركية أمس باعتقال المفكر الإسلامي التركي الأستاذ محمد فتح الله كولن المقيم بولاية بنسلفانيا الأمريكية, بتهمة قيادة منظمة إرهابية جدلا واسعا وحظي باهتمام إعلامي عربي ودولي واسع.

ومن المنتظر أن تصدر السلطات التركية نشرة حمراء بحق الأستاذ كولن لتضعه على قائمة المطلوبين من جانب البوليس الدولي (الانتربول).

ولم تشر السلطات التركية في قرارها إلى أي دليل على قيادة الأستاذ كولن للمنظمة الإرهابية المزعومة، حيث يخوض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والحكومة حربا واسعة النطاق ضد حركة الخدمة التركية التي تستلهم فكر الأستاذ كولن ويتهمها أردوغان بأنها” كيان مواز” داخل الدولة منذ تحقيقات الفساد والرشوة التي جرت في الفترة ما بين 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، حيث يتهم أردوغان حركة الخدمة والاستاذ كولن بتفجير هذه التحقيقات التي كادت أن تطاله شخصيا ونجله بلال بعد أن طالت 4 وزراء من حكومته أجبروا على الاستقالة ورجال أعمال وموظفين كبار مقربين منه إلى جانب رئيس بنك ” خلق” (الشعب) الحكومي سليمان أصلان.

ويزعم أردوغان والحكومة أن جماعة الخدمة أو كما يسميانها بـ ”الكيان الموازي” تغلغلت داخل سلكي القضاء والشرطة وأن عناصر تابعة للجماعة باستغلال مانصبها وقيامها بالتنصت غير المشروع على المواطنين والوقوف وراء حملة الاعتقالات التي شهدتها تركيا في 17 ديسمبر/ كانون الأول لمكافحة الفسادكما يتهمانها بفبركة تسجيلات صوتية.

وبسبب هذه الادعاءات التي لاتستند إلى أي دليل قامت الحكومة بنقل أو إبعاد وعزل 50 ألفا من رجال الشرطة والمدعين العموم من أماكنهم ووضعهم في وظائف أدنى، ونفذت العديد من حملات الاعتقال ضد رجال الأمن تبين بعد ذلك عدم استنادها لأي دليل مادي وتم الافراج عنهم جميعا.

واستغل أردوغان قضاة الصلح والجزاء الذين أسس لهم دوائر خاصة بالمحاكم بحيث لاتقبل أحكامهم الطعن عليها، كما استغل حزب العدالة والتنمية أغلبيته في البرلمان لتمرير تعديلات قضائية جديدة كان من شأنها استبدال مبدأ الضبط والقبض على الأسخاص وتفتيش منازلهم والحجز على ممتلكاتهم بموجب الأدلة الملموسة إلى العمل بمبدأ الاشتباه المعقول.

وكان أول تطبيق لمبدأ الاشتباه المعقول طبق في حملة الأحد الأسود التي شهدت اعتقال 31 شخصا من الصحفيين والكتاب والإعلاميين ومنتجي ومخرجي وكتاب سيناريو الأعمال الدرامية بتهمة تشكيل منظمة إرهابية ومحاولة السيطرة على الدولة أي الانقلاب على الحكومة والاستيلاء على السلطة.

ومن بين من طالتهم هذه الحملة التي جرت يوم الأحد الماضي كل من أكرم دومانلي رئيس تحرير صحيفة” زمان” وهدايت كاراجا مدير مجموعة ” سامان يولو” الإعلامية ولم تجد النيابة دليلا لحبس أكرم دومانلي الذي تبين أنه تم القبض عليه واتهامه بالانضمام إلى منظمة إرهابية بموجب مقالين كتبهما في عام 2009 عن جماعة ” تحشية” التي يتزعمها محمد دوغان والمرتبطة بتنظيم القاعدة إضافة إلى نشر حديث للأستاذ فتح الله كولن يتناول الجماعة نفسها، وأن المقالين وحديث الأستاذ كولن كانوا السبب في بدء التحقيقات ضد هذه الجماعة بتهمة الإرهاب علما بأن جهاز المخابرات التركي كانت يتابع جماعة تحشية منذ عام 2004 وأحال مالديه من مستندات ومعلومات إلى مديرية الأمن التي بدأت التحقيقات في عام 2008 ونفذت عمليات ضد الجماعة في 2010 بموجب هذه التحقيقات.

كما قررت المحكمة حبس هدايت كاراجا مدير البث في مجموعة ” سمان يولو بتهمة تناول جماعة تحشية في مسلسل ” تركيا واحدة” المعروف في الوطن العربي باسم ” الأرض الطيبة” والذي ركز على هذه المجموعة إلى جانب مسلسل ” سونجورلار” (الصقور) الذي فضح المخططات الإرهابية التي تحيكها بعض الجماعات ضد تركيا . وواجه كاراجا سلطات التحقيق بتقديم دليل على انضمامه لجماعة إرهابية فعجزت عن ذلك.

لكن في اليوم الذي صدر فيه قرار الإفراج عن أكرم دومانلي رئيس تحرير صحيفة ” زمان” لعدم توافر أدله على اتهامه بالالنضمام إلى منظمة إرهابية أصدرت السلطات التركية قرارا باعتقال الأستاذ محمد فتح الله كولن استنادا إلى حديثه الذي نشر في صحيفة” زمان” وحذر فيه من نهج جماعة تحشية عام 2009 بعد عام كامل من بدء التحقيقات معها .

ويرى خبراء قانونيون أن جميع هذه الممارسات القانونية تأتي انتقاما من جماعة الخدمة ومن صحفها وقنواتها التليفزيونية بسبب إصرارها على المضي في كشف وقائع الفساد ونشر وقائع تحقيقات لجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي صدر قرار بحظر النشر حول أعمالها، ولممارسة هذه الصحف والقنوات عملها باحترافية ومهنية وإعلائها مبدأ حرية الإعلام وحق القارئ والمشاهد في المعرفة.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توعد حركة الخدمة وألأستاذ فتح الله كولن أكثر من مرة بقوله إننا سنطاردهم في أوكارهم وسترون أن لدينا الكثير الذي سنفعله .

كما قال رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو إن القضاء التركي سيتخذ ما يلزم من قرارات في إطار القانون دون أي تفرقة بين مواطن واخر وأكد أن السلطات التركية لا تتدخل في عمل القضاء ولا تملي عليه أي قرارات.

والثابت أن الرئيس رجب طيب أردوغان والحكومة تدخلال مرارا في الفترة الأخيرة لإعادة هيكلة جهاز القضاء عبر تخصيص دوائر لقضاة الصلح والجزاء ليكونوا بديلا لمحاكم الصلح، وأعطيا الحصانة لقراراتهم التي لا يجوز الطعين عليها، كما تدخلا لإعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى خلال الانتخابات وشراء القضاة عبر زيادة رواتبهم وامتيازاتهم ن وتعديل القوانين ليصبح الاشتباه المعقول كافيا للتفتيش والاحتجاز ومصادرة الممتلكات الشخصية
Blogger Wordpress Gadgets