مايو 17، 2014

فتح الله كولن: مسلم تقي و ملتزم

Fethullah Gulen
فتح الله كولن مسلم تقي و ملتزم. و السبب وراء مثاليته و نشاطه هو تقواه وصلاوته الروحانية التي التزمها منذ الطفولة المبكرة. وقد كرس كولن حياته لإحلال السلام في العالم. و لفهم كولن بشكل افضل علينا فهم ورعه و تقواه و صلاواته.

قضى الدكتور صالح يوجل ثمانية أيام إلى جانب فتح الله كولن من أجل فهمه و فهم ممارساته الروحانية بشكل افضل. خلال هذه الفترة، كان لدى الدكتور يوجل الفرصة لمراقبة حياة كولن اليومية و اللقاء ببعض طلابه وأصدقائه المقربين، بما فيهم البروفيسور سعاد يلدريم، العميد السابق لكلية الدين في ساكاريا في تركيا. وفيما يلي ملخص لمقطع من مقالة الدكتور يوجل:

الدكتور صالح يوجل *

رصد الممارسات الروحانية لفتح الله كولن

جدول فتح الله كولن اليومي مبني على الصلاة (الفرائض)، والتي توؤدى دائما في جماعة في اوقات محددة. و يقسم كولن يومه إلى الأنشطة التالية: قبل الفجر بساعه يستيقظ ليصلي صلاة التهجد ( و هي صلاة نافلة يستيقظ من اجلها في الليل وتصلى قبل الفجر)، و من ثم يقراء القرآن، و يدعي و يقرا الأوراد والأذكار و يتضمن ذلك ذكرأسماء الله.


بعد كل صلاة واجبة، يدعو كولن لمن طلب الدعاء منه. و يصلي كولن صلاة الصباح في جماعة. و بعد الصلاة، يقرا الأوراد والأذكار لمدة خمسة عشر دقيقة الى عشرين دقيقة، و من ثم يقوم بتلاوة نهاية سورة الحشر.و بعد ذلك يقوم بالتحادث و الحوار مع الزوار لبضع دقائق قبل أن يبدا الدرس.


يصلي و يدرس ويقرأ ويكتب ويصلي مرة أخرى

فترة المذاكرة تستمر نحو ساعة. بعد ذلك، يتناول كولن وجبة الإفطار مع المحيطين به. و بعد وجبة الإفطار، يذهب كولن الى غرفته للراحة حتى منتصف النهار و قد سألت من حوله عن ما يفعله كولن أثناء اوقات فراغه، و قيل لي أنه يمضى وقته في أخذ قيلولة قصيرة وأداء صلاة الإشراق وقراءة الكتب المختلفة وكتابة المقالات والتفكير في أنشطة الحركة.

و قبل صلاة الظهر بحوالي ساعتين، يدرس كولن تفسير القران و الأحاديث و الفقه والعقيدة (الدين وتاريخ الإسلام) لمجموعة مختارة من الطلاب الذين تخرجوا من المدارس الدينية. و حلقات التدريس مشابهة للطريقة التقليدية و التي يجلس فيها الطلاب على الأرض، ولكن في نفس الوقت يستخدم فيها التكنولوجيا الحديثة مثل أجهزة الكمبيوتر وجهاز العرض.

و في وقت الظهر تقريبا ، يذهب كولن الى غرفته و يشاهد الأخبار لمدة خمسة عشردقيقة الى عشرين دقيقة . وقد يتحادث مع المحيطين به لمدة نصف ساعة . و من ثم يبدا بالتحضير لصلاة الظهر و يصليها جماعة .و بعد أداء صلاة الظهر ، يقوم فتح الله كولن بقراة الأوراد والأذكار لمدة عشرين دقيقة على الأقل . و اثناء تناول طعام الغداء مع الآخرين ،يقوم كولن بالرد على أسئلة الجمهور حول الدين والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد،والتعليم. و قد لاحظت انه يتردد في الرد على الأسئلة الته تتعلق بالسياسية . في بعض الأحيان ،يسأل من حوله عن حال اُسرهم و اعمالهم ويعطي كولن اهتمام خاص لكبار السن والأطفال.

وبعد جلسة المحادثة ، يعود كولن الى غرفته لقراءة الكتب أو لإعداد لكتبه الخاصة به في الذي ينوي اصدارها في المستقبل. و في بعض الأحيان ، يدعو بعض الأفراد لمناقشة قضايهم معهم . ومن ثم يصلي صلاة العصر جماعة و يقوم بقرأة الأوراد والأذكار . و بعد الصلاة يكون هناك حلقة محادثة و جلسة اسئلة و اجوبة قصيرة لمدة نصف ساعة تقريبا .ومن ثم يقوم بالمشي على جهاز المشي في غرفته لمدة أربعين دقيقة و اثناء ذلك يقوم بالذكر .

و بعد اداء صلاة المغرب جماعة، يتناول كولن طعام العشاء في بعض الاحيان لوحده و بعض الاحيان مع الاخرين . و من ثم بعد اداء صلاة العشاء جماعة، يعود كولن الى غرفته لمواصلة نشاطاته المعتادة من القراءة والكتابة و الدعاء والذكر حتى الساعة الحادية عشر. وفي بعض الاحيان، يجلس كولن مع زواره على انفراد و يتحادث معهم بعد صلاة العشاء.

ماذا يدرس فتح الله كولن؟

يركز كولن في حلقاته الدينية التدريسية على محبة الله و صفاته و على الحكمة من أركان الإسلام والإيمان وعلى السنة النبوية (الممارسات والأقوال). وبالإضافة إلى ذلك، يقوم فتح الله كولن بشرح تفاصيل تطهير النفس والتعليم والمبادئ الأساسية للخدمة (خدمة المجتمع). كما يشرح المفاهيم الأساسية للتصوف مثل الحب والتقوى و القلب و التوبة و الزهد والمراقبة الذاتية و الاخلاص و الاستقامة والعبادة و التوكل والتواضع والشكرو الصبر والإحسان و المعرفة. و في بعض الاحيان تكون هذه المحادثات الروحانية عاطفية جدا حيث ان في العديد من الاوقات يبكي فتح الله كولن متآثرا و بالتالي يتأثر جمهوره بشكل كبير و يبكون معه.

حياة انغلاقية ولكن ليست بعيدة عن مشاكل البشرية

فتح الله كولن يعيش حياته معتزلا عن الناس . و يعاني من ثلاثة أمراض : ضغط الدم المرتفع والسكر ومرض القلب. وبسبب هذا ، يعيش على قيود غذائية ويكون تحت إشراف الطبيب طوال اليوم . في السنوات التسع الماضية ، لم يغادر كولن مقر اقامته وهي في بلدة صغيرة في ولاية بنسلفانيا الا للذهاب إلى المستشفى فقط .و في مقابلة مع مراسل من تركيا ، قال فتح الله كولن أنه في السنوات الخمس الماضية ، ( الآن أكثر من عشر سنوات )انه قد خرج الى شرفة منزله عدة مرات فقط. و إذا كان الطقس لطيفا، يخرج احيانا الى الحديقة و يحتسي كوبا من القهوة أو الشاي هناك .

العقد التي قضاها كولن في العزلة ليست مثل الصوفية التي تكون عزلتها في الجبال. بل انه اتبع طريقة الإمام الغزالي (١٠٥٨-_-١١١١) ، و مولانا جلال الدين الرومي (١٢٠٧_-١٢٧٣) ، و سعيد النورسي (١٨٨٧_-١٩٦٠)، الذي كان اعتزالهم فرصة ليكونوا منتجين فكريا ومتنافين روحيا .و اختار فتح الله كولن ان يضع تركيزه الكامل و طاقته على حياته الداخلية من خلال التعبد والعلم . و هناك عوامل أخرى تستلزم عزلته مثل العدد كبير من الزوار و صحته. و لا يعني انسحابه من الشؤون الدنيوية انسحابه من الدنيا . وهو لايشجع الانسحاب الكامل من الدنيا التي يراها دارلخدمة الإنسانية .فانه لا يزال يؤلف كتب و يكتب مقالات ويقدم إرشادات و مشورات لزواره ، مع الأخذ في الاعتبار حالته الروحية و الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية.

قدم البروفيسور يلدريم المعلومات التالية حول مدى تفاني فتح الله كولن :

لقد عرفت فتح الله كولن منذ أن كان إماما في أدرنة في بداية عام ١٩٥٩. فهو مثقف جدا ومهتم جدا بالتعليم . و قد قرأ كولن الكلاسيكيات الشرقية والغربية. و هذه هي السمة التي ميزت فتح الله كولن عن باقي الأئمة المعاصرين والزعماء الدينيين .و ينفق فتح الله كولن الجزء الأكبر من راتبه في شراء الكتب و المجلات و قراءتها ، ومن ثم يعطيها للآخرين لقراءتها .

وكان يقضي كولن معظم وقته في مكتبة أدرنة ، حيث كان يقرأ كتب التاريخ القديمة. ولكن في نفس الوقت كان لا يزال يعيش حياة التقشف حيث كان يأكل قليلا و ينام لبضع ساعات فقط ويقضى جزءا كبيرا من يومه في العبادة .

و كانت واحدة من نقاط التحول في حياة فتح الله كولن هو لقاؤه بأحد تلامذة سعيد النورسي و الذي أرشده إلى قراءة رسائل النور .و قد استلهم فتح الله كولن من الحياة الروحانية العميقة للنورسي ومن قواعده الذهبية في خدمة الإنسانية وبالتالي استعملها كولن كمبادئ لخدمة المجتمع . كان أعظم واكبر هدف لفتح الله كولن هو تثقيف و تعليم الشباب في مجال العلوم الدينية والعلمانية ، و ذلك من أجل حل مشاكلهم الناتجة عن الجهل و حمايتهم من الأمراض الروحية .

وأضاف يلدريم أن فتح الله كولن كان ملتزما بتحقيق هذا الهدف وجعلها واحدة من الغايات الرئيسية في حياته . و قد لاحظ الدكتور اسماعيل بيوك جلبي، واحد من المقربين من فتح الله كولن منذ ما يقارب أربعين عاما مايلي :

لقد كنت مع فتح الله كولن منذ المدرسة المتوسطة . وكان يخطب بنا في أزمير و يعطينا دروس في المدرسة الداخلية في كاستنة بازار. و هو لم يعلمنا فقط بل كان يوجهنا و يرشدنا ايضا. وقد عاش كولن حياة بسيطة جدا، وكان ينفق معظم راتبه لدعم الطلاب الفقراء . وكان يبذل مجهوده في العبادة و التعليم و يتجنب الأنشطة السياسية العقيمة التي لا معنى لها

فتح الله كولن لا يتحدث فقط في المساجد و لكنه يتحدث أيضا في المقاهي والجامعات و غيرها من المؤسسات. وعلى عكس الدعاة الاخرين، فتح الله كولن يركز على العلم والدين والمشاكل الاجتماعية والعقلانية . و قد جذبت خطبه الملهمة و منهجه الفكري العديد من طلبة الجامعات ومجتمع الأعمال و الطبقة الوسطى والجموع في المساجد . و قد استخدم نفوذه لتشجيع الأفراد على فتح سكن للطلاب ودورات إعداد و تهيئة للجامعات ومدارس مفتوحة ووسائل إعلام و شركات نشر و بناء مراكز اجتماعية.

وعلى الرغم من الضغط من والدته و أصدقائه المقربين ، فتح الله كولن لم يسبق لهم الزواج . و عندما سئل عن الزواج، أجاب كما اجاب النورسي (١٨٧٨_-١٩٦٠) ، " إن معاناة الامة الإسلامية هي أكثر من كافية . و لا أجد الوقت لأفكر في نفسي " .

يعيش حياة الصوفيين و لكنه ليس زعيما صوفيا

على الرغم من ان فتح الله كولن لم يعلن نفسه زعيما صوفيا، الا انه يتبع منهجية مشابهة لمنهجية و اساليب الافراد الذين يتبعون الطريقة الصوفية. وقت تم تدريب العديد من كبار و عظماء الصوفيين في ما يسمى بالتكية،و هي مراكز صوفية، و ذلك من خلال خدمة الآخرين والتنظيف والطبخ. و من خلال زيارتي، لاحظت ان طلاب فتح الله كولن يقومون بنفس الأفعال الته يقوم بها طلاب الصوفية.

محاكاة للزعماء الصوفيين العظماء، فان فتح الله كولن في كثير من الأحيان يهذب نفسه ( مثل القشيري (d.1074) و يذرف الدموع مثل آل بستامي (804_-874)، و يظهرالتسامح تجاه الآخرين مثل جلال الدين الرومي (1207_-1273)، و يهجر الدنيا مثل الناقشي ويطلب من أتباعه خدمة مجتمعهم حتى اخر حياتهم مثل آلهجوري (d.1077) والنورسي (1887_-1960).

المعايير التي يجب توافرها في تلاميذه

معايير فتح الله كولن لقبول الطلاب تختلف عن المعاييرالتي تتبعها الصوفية. فان فتح الله كولن يتوقع من طلبته ان يبرهنوا فضولهم تجاه العلم والرغبة في خدمة الناس، و ان يكونوا على درجة من الصبر، وان يمارسوا المبادئ الإسلامية الأساسية . و من أجل الانضمام إلى حلقة الدراسة ، يجب على الشخص أن يكون على مستوى عال في معرفة اللغة العربية ، ولكن في بعض الاحيان ليس ضروريا . و بالاضافة ، فان كولن لا يمارس علاقة الاستاذ والطالب مع تلامذته . و لكن في نفس يطلب من أتباعه أن يعيشوا حياة التقشف الزهد من خلال الصيام مرتين في الأسبوع و تناول كميات قليلة من الطعام و النوم لساعات أقل و اداء الصلوات النافلة ، وقراءة القرآن الكريم و القيام باذكار خاصة ( الابتهال و التضرع لله ) .

فتح الله كولن يركز أيضاعلى القلب. و بهذا المصطلح ، فانه لا يقصد العضو المادي المحسوس ولكن يقصد به الروح: "إن القلب مكان الإيمان و مرآة لله" . وقد اقتبس من أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم ما يلي: "إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ " (رواه مسلم) . وقال "أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ " . و على حسب تعاليم الصوفية، اذا لم يكن قلب الشخص طاهر، فإن هذا الشخص لا يستطيع أن يعيش حياة التقشف . كم اقتبس كولن من أحد كبار المتصوفين و هو ابراهيم حقي (1703_-1780) ما يلي : "إن القلب هو منزل الله ؛ فعليك تطهيره من كل ما هو من دونه ، حتى تنزل الرحمة إلى قصره في الليل " . كما اضاف فتح الله كولن مايلي" القلب الملئ بمحبة الله لا يمكن أن تكتم العداء أو الكراهية تجاه الآخرين " .

بينما فتح الله كولن أبعد ما يكون عن إقامة نظام صوفي، الا ان هدفه هو الإحياء و الجمع بين عمل الرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه و زهد الجيل الأول من الصوفيين ومعرفتهم و علم العلماء الصوفييين الاوائل . في الوقت الذي فيه الفجوة بين الصوفيين و السلفيين كبيرة ، فإن الهدف الرئيسي لفتح الله كولن هو إعادة تأسيس الصوفية على أساس من القرآن والسنة .

مقتبسة من " فتح الله كولن : الزعيم الروحي في سياق الإسلامية العالمية " التي نشرت في مجلة الدين والمجتمع في عام 2010 (المجلد 12)

* جامعة موناش ، ملبورن ، أستراليا
Blogger Wordpress Gadgets