أحمد قوروجان
تعرفون القصة. وذلك أنه بعد ظهور ادعاءات الفساد، بدلا من التصدي لمن تورطوا في أعمال الفساد، تم الهجوم على من كشفوا جرائمهم وأمسكوا بهم ثم كيلت التهم لهم مثل "عصابة، دمى، عملاء، أداة"، وتلا ذلك إقالات لرجال الأمن، وإصدار قوانين في منتصف الليالي، ومحاولات للتستر على أعمال الفساد.. حتى وصلنا إلى 20 ديسمبر 2013 يوم الجمعة.
أرجو أن تسجلوا هذا التاريخ جانبا. أعتقد أنه تاريخ أعلن فيه الأستاذ فتح الله كولن عن استنفاده لجميع الحلول الممكنة، وفقدان كل الأسباب الناجعة لتأثيرها.. انتهى تأثير كل الأسباب.. فماذا بقي بعد؟ لم يبق سوى باب مسبب الأسباب سبحانه.
البعض قال "دعا على فلان أو علان"، وآخرون قالوا إنها مباهلة أو دعوة إلى المباهلة، وآخرون قالوا أحالهم إلى الله. أما أنا فقد كتبت رأيي وأكرر ما كتبته مرة أخرى.. إنها لم تكن سوى أنّة وشكوى يرفعها إلى مسبب الأسباب -سبحانه- في لحظة انتهى فيها دور الأسباب وتأثيرها بالكامل.. إنها لحظة العجز التام عن العثور على الحل.
لا داعي لتحريف ما قاله الأستاذ واللغو فيه، النص موجود بين أيدي الجميع. وكما قال أكرم دومانلي رئيس تحرير جريدة زمان، من كان يحمل في صدره قلبا شجاعا، ولا يشكّ من وضوئه وصلاته، سوف يؤمّن على ذلك الدعاء الذي انبثق من قلب محترق ليرتفع إلى الله الذي يرى سرنا وعلانيتنا جميعا. المسألة في غاية البساطة.
ومع ذلك كنت وقد وعدت بكتابة القصة كما وقعت، لأنني شاهد عيان. في ذلك اليوم، جلس الأستاذ بعد صلاة العصر على كرسي الدرس كالعادة، وارتشف بضع جرعات من الشاي وهو يطالع وجوه الحاضرين بعيون حزينة متألمة. وأذكركم بأن الدرس بين أيديكم مصورا ومكتوبا، وبإمكان الجميع أن يحصل عليه بيسر في عصر التكنولجيا الذي نعيشه. وأنا على يقين أنكم ستفهمون ما أكتبه إذا شاهدتم الأستاذ في ذلك الدرس.
كان هادئا عندما وصل في حديثه إلى الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم إزاء الآثام الفردية. كان بإمكانك أن تتابع المضمون بخيالك، وتعد الكلمات التي تنسكب من بين شفتيه. وعندما ذكر من العهد النبوي مثال المرأة الغامدية وماعز توقعتُ الاتجاه الذي سيسير الكلام نحوه. بالتأكيد سيذكر الآثام الفردية ويتبعها بالآثام التي تخص المجتمع أو "حقوق الله" كما اصطلح عليها الأصوليون. وفجأة بدأت ضربات قلوبنا تزداد سرعة على أثر كلام الأستاذ. ارتفعت نبرات صوته، زاد انفعاله، وغمر الصالة جو من التأثر والمرارة غريب. أذكر أنني تركت دفتر الملاحظات التي كنت أسجل فيه بعض أقواله جانبا.. إلى أن وصلنا إلى ما اختلف الناس في تسميته "دعاء، إحالة، مباهلة، ملاعنة، دعوة إلى المباهلة" أو شيء آخر. كانت العواطف في الذروة، لكن الانسجام المنطقي قوي في نفس الوقت كما عهدنا ذلك لدى الأستاذ. العقل والعاطفة والمنطق مع بعض، جنبا إلى جنب، كتفا إلى كتف. العاطفة لا تتجاوز العقل، والعقل لا يقصي العاطفة. المنطق لا يقول "لا شأن لي في هذا الجو العاطفي".
أخيرا بلغت العواطف قمتها، وجاءت العبارات تترى. أحسب أن الحضور جميعا تحيروا وفوجئوا. "ما قلت ذلك من قبل أبدا، لكن لم يكن بدّ من قوله"، العبارات كانت تنسكب من بين شفتيه كالأنين. شاهدوا الفيديو، فقلة أصوات "آمين" في البداية علامة تلك الحيرة والمفاجأة. ماذا بعد؟ ارتفعت الأيدي إلى السماء جميعا وكان التأمين للدعاء.
ماذا يمكن أن يحصل بعد اليوم؟ هذه الوتيرة العفريتية التي نعيشها إلام تؤول؟ أعتقد أن جواب كل من يحمل في قلبه إيمانا سيكون "الله أعلم". من كتب الله لهم أعمارا سيرون ماذا سيحصل في المستقبل القريب والبعيد. لكننا أبناء هذه اللحظة لا نملك سوى الدعاء: "اللهم أحسن عاقبتنا"، أو ندعو بالدعاء الذي دعاه الأستاذ في الدرس الموالي: "أدام الله عز ما أراد عزا.. رفعهم الله إلى فوق، إلى فوق.. رفعهم الله في تركيا، ورفعهم إذا شاء في أوربا، وأسيا وأفريقيا.. إذا كانوا لائقين لذلك وكان مقبولين لدى الضمير المجتمعي رفعهم الله إلى القمم، ورفع من قدرهم وأوصلهم إلى قمة كمالاتهم".
وبما أن المستقبل غيب، ولا نملك إزاءه سوى الالتجاء إلى علمه سبحانه ولطفه وكرمه، إذن ما رأيكم أن نعود إلى الماضي بعض الشيء لنسأل ما الذي أوصل الأستاذ إلى هذا الحد من التألم؟ أعتقد أننا ما لم نضع الحروف على النقاط فلن نفهم المشهد حق الفهم.
اولا: الأستاذ فتح الله كولن عالم دين، ومن الطبيعي أن يحيل في أحاديثه إلى مراجع ومصطلحات دينية. وها نحن نشرح مضامين كلماته بمصطلحات دينية مثل "الدعاء، المباهلة، الإحالة، الملاعنة.. إلخ". فالذي لا يملك العلم الكافي ولا الهمّ الوافي فلا ينبغي أن يخوض في تأويل أو تفسير مثل هذا الحديث.
ثانيا: لقد اندمجت شخصية الأستاذ فتح الله كولن بحركة وأبناء ومجتمع الخدمة. فالجميع يعلم أنه عندما يقال "الأستاذ خوجا أفندي" لا يقصد به ابن رامز ورفيعة هانم. وبالتالي إن من يجد في كلام الأستاذ حدة ينبغي أن يرى الصورة كلية، ويضع نصب عينيه جميع ما مورس ويمارس ويراد أن يمارس طيلة 11 عاما على أفراد ومؤسسات يدعمون الخدمة تطوعا، من تصرفات سلبية سرا وعلانية. إن من يبدأ كلامه بكيل الاتهامات على شخصية الأستاذ إنما يهاجم مجتمع الخدمة، ومن يبدأ بمهاجمة المؤسسات بافتراءات تجعل الحليم حيران، لا يمكنك أن تحسن الظن به.
ثالثا: يجب التنويه بالصبر الذي أبداه الأستاذ طيلة 75 سنة من حياته مقابل ألوان شتى من الأذى والإهانة سواء من قبل الصديق أو العدو. بالله عليكم نحن نتحدث عن شخص ما فتئ يردد هذه العبارة: "أقسمت ألا أقاطع أحدا، أقسمت أن أقابل الموت بابتسام، أقسمت أن أرى الجفوة والوفاء شيئا واحدا. إنني لا أملك صلاحية العفو حيث تنتهك حقوق الله، لكنني أقسمت ألا أشكو أحدا يوم القيامة في حق ظلمني فيه".
لقد تعرض هو شخصيا، وتعرضت الشخصية المعنوية للخدمة لمظالم عديدة يحق لها أن تسجل في تاريخ المظالم بامتياز، مع ذلك كان تعليقه: "ما باليد من حيلة، لم يعطنا الله ضرسا نعض به، أو قبضة وحشية نبطش بها. ثم كل يعمل على شاكلته. ليس من الأدب أن نخرج عن أخلاقنا لنسيء إلى أحد. إذا فعلنا ذلك فقد احتقرنا أنفسنا، وحاشا لله أن نحتقرها، لذا نفضل الاكتفاء بابتلاع العلقم في أماكن يمكننا أن نملأها ضجيجا لو أردنا ذلك".
إنه شخصية من هذا الطراز الرفيع حيث يهدئك دائما، ويعلمك معنى الصبر، بل ويعلم الصبرَ نفسَه كيف يصبر. وإليكم بعبارة من عباراته: "سأصبر إلى أن يأتيني الصبر يوما يستوّل مني صبرا".
لقد نبه رفاقَ دربه وأحباءَه دائما بهذه الكلمات: “إياكم أن تواجهوا العنف بالعنف، والشدة بالشدة". وكم من مرة انسكبت من بين شفتيه هذه العبارات: "منذ سنين وسنين أهمّ بأن أكيل اللعنات على الظلم، وأبصق في وجه الظالم، وألجم فاه المفتري، وأصرخ في وجه المتآمر أن "كفى".. نعم، تصل العبارات إلى طرف لساني.. لكنني حفاظا على الأمن والسلام بين أبناء الوطن، وخوفا على السكينة الداخلية واستقرار البلد، أبتلع الكلمات علقما، وأقول في نفسي إن الله يرى ويعلم كل شيء. كما أنني إكراما للتصور والأسلوب الإسلامي الذي أنتمي إليه أفضل أن أقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" حتى في المواقع التي يرفع فيها كل من هبّ ودبّ صوته كذبا وزورا، وأكتفي بالقول "حتى هذه نصبر عليها".
إذن ما الذي حصل حتى رفع الأستاذ يديه إلى الرحمن الرحين ودعا بذلك الدعاء الضارع الذي عقّب عليه قائلا “لم يسبق أن قلت كذلك، لكن لم يكن بد من قول ذلك". جواب ذلك ثلاث كلمات: "تصدعت صخرة صبره". إنه رأى أن التزام الصمت وتكرار "لا حول ولا قوة إلا بالله" لن يثني هؤلاء الذين اعتدوا على حقوق الآلاف من الأبرياء ومئات الآلاف من الأيتام.. لن يثنيهم عن فعلتهم ولن يعيدهم إلى رشدهم أو يدفعهم إلى استغفار من ذنبهم، فأحال القضية إلى صاحبها الحقيقي سبحانه. نعم، فعل ذلك، لأنه استنفد جميع أسباب الحل في دائرة الأسباب.
لكن أليسوا مسلمين؟ نعم، ولكن إسلامهم هل يغير النتيجة؟ هل يبرئهم من التورط فيما تورطوا فيه؟ بالله عليكم، إذا ارتكب فرد جريمة مناقضة لقوانين الدولة، أو إذا ارتكب جريمة مناقضة للقيم الأخلاقية أو الدينية، هل ننظر إلى انتمائه الديني لكي نحكم له أو عليه، أم ننظر إلى طبيعة الجريمة أيا كان انتماؤه؟ نعم، تلك هي مربط الفرس والسلام.
المصدر: جريدة زمان التركية، 28 ديسمبر 2013.
تعرفون القصة. وذلك أنه بعد ظهور ادعاءات الفساد، بدلا من التصدي لمن تورطوا في أعمال الفساد، تم الهجوم على من كشفوا جرائمهم وأمسكوا بهم ثم كيلت التهم لهم مثل "عصابة، دمى، عملاء، أداة"، وتلا ذلك إقالات لرجال الأمن، وإصدار قوانين في منتصف الليالي، ومحاولات للتستر على أعمال الفساد.. حتى وصلنا إلى 20 ديسمبر 2013 يوم الجمعة.
أرجو أن تسجلوا هذا التاريخ جانبا. أعتقد أنه تاريخ أعلن فيه الأستاذ فتح الله كولن عن استنفاده لجميع الحلول الممكنة، وفقدان كل الأسباب الناجعة لتأثيرها.. انتهى تأثير كل الأسباب.. فماذا بقي بعد؟ لم يبق سوى باب مسبب الأسباب سبحانه.
البعض قال "دعا على فلان أو علان"، وآخرون قالوا إنها مباهلة أو دعوة إلى المباهلة، وآخرون قالوا أحالهم إلى الله. أما أنا فقد كتبت رأيي وأكرر ما كتبته مرة أخرى.. إنها لم تكن سوى أنّة وشكوى يرفعها إلى مسبب الأسباب -سبحانه- في لحظة انتهى فيها دور الأسباب وتأثيرها بالكامل.. إنها لحظة العجز التام عن العثور على الحل.
لا داعي لتحريف ما قاله الأستاذ واللغو فيه، النص موجود بين أيدي الجميع. وكما قال أكرم دومانلي رئيس تحرير جريدة زمان، من كان يحمل في صدره قلبا شجاعا، ولا يشكّ من وضوئه وصلاته، سوف يؤمّن على ذلك الدعاء الذي انبثق من قلب محترق ليرتفع إلى الله الذي يرى سرنا وعلانيتنا جميعا. المسألة في غاية البساطة.
ومع ذلك كنت وقد وعدت بكتابة القصة كما وقعت، لأنني شاهد عيان. في ذلك اليوم، جلس الأستاذ بعد صلاة العصر على كرسي الدرس كالعادة، وارتشف بضع جرعات من الشاي وهو يطالع وجوه الحاضرين بعيون حزينة متألمة. وأذكركم بأن الدرس بين أيديكم مصورا ومكتوبا، وبإمكان الجميع أن يحصل عليه بيسر في عصر التكنولجيا الذي نعيشه. وأنا على يقين أنكم ستفهمون ما أكتبه إذا شاهدتم الأستاذ في ذلك الدرس.
كان هادئا عندما وصل في حديثه إلى الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم إزاء الآثام الفردية. كان بإمكانك أن تتابع المضمون بخيالك، وتعد الكلمات التي تنسكب من بين شفتيه. وعندما ذكر من العهد النبوي مثال المرأة الغامدية وماعز توقعتُ الاتجاه الذي سيسير الكلام نحوه. بالتأكيد سيذكر الآثام الفردية ويتبعها بالآثام التي تخص المجتمع أو "حقوق الله" كما اصطلح عليها الأصوليون. وفجأة بدأت ضربات قلوبنا تزداد سرعة على أثر كلام الأستاذ. ارتفعت نبرات صوته، زاد انفعاله، وغمر الصالة جو من التأثر والمرارة غريب. أذكر أنني تركت دفتر الملاحظات التي كنت أسجل فيه بعض أقواله جانبا.. إلى أن وصلنا إلى ما اختلف الناس في تسميته "دعاء، إحالة، مباهلة، ملاعنة، دعوة إلى المباهلة" أو شيء آخر. كانت العواطف في الذروة، لكن الانسجام المنطقي قوي في نفس الوقت كما عهدنا ذلك لدى الأستاذ. العقل والعاطفة والمنطق مع بعض، جنبا إلى جنب، كتفا إلى كتف. العاطفة لا تتجاوز العقل، والعقل لا يقصي العاطفة. المنطق لا يقول "لا شأن لي في هذا الجو العاطفي".
أخيرا بلغت العواطف قمتها، وجاءت العبارات تترى. أحسب أن الحضور جميعا تحيروا وفوجئوا. "ما قلت ذلك من قبل أبدا، لكن لم يكن بدّ من قوله"، العبارات كانت تنسكب من بين شفتيه كالأنين. شاهدوا الفيديو، فقلة أصوات "آمين" في البداية علامة تلك الحيرة والمفاجأة. ماذا بعد؟ ارتفعت الأيدي إلى السماء جميعا وكان التأمين للدعاء.
ماذا يمكن أن يحصل بعد اليوم؟ هذه الوتيرة العفريتية التي نعيشها إلام تؤول؟ أعتقد أن جواب كل من يحمل في قلبه إيمانا سيكون "الله أعلم". من كتب الله لهم أعمارا سيرون ماذا سيحصل في المستقبل القريب والبعيد. لكننا أبناء هذه اللحظة لا نملك سوى الدعاء: "اللهم أحسن عاقبتنا"، أو ندعو بالدعاء الذي دعاه الأستاذ في الدرس الموالي: "أدام الله عز ما أراد عزا.. رفعهم الله إلى فوق، إلى فوق.. رفعهم الله في تركيا، ورفعهم إذا شاء في أوربا، وأسيا وأفريقيا.. إذا كانوا لائقين لذلك وكان مقبولين لدى الضمير المجتمعي رفعهم الله إلى القمم، ورفع من قدرهم وأوصلهم إلى قمة كمالاتهم".
وبما أن المستقبل غيب، ولا نملك إزاءه سوى الالتجاء إلى علمه سبحانه ولطفه وكرمه، إذن ما رأيكم أن نعود إلى الماضي بعض الشيء لنسأل ما الذي أوصل الأستاذ إلى هذا الحد من التألم؟ أعتقد أننا ما لم نضع الحروف على النقاط فلن نفهم المشهد حق الفهم.
اولا: الأستاذ فتح الله كولن عالم دين، ومن الطبيعي أن يحيل في أحاديثه إلى مراجع ومصطلحات دينية. وها نحن نشرح مضامين كلماته بمصطلحات دينية مثل "الدعاء، المباهلة، الإحالة، الملاعنة.. إلخ". فالذي لا يملك العلم الكافي ولا الهمّ الوافي فلا ينبغي أن يخوض في تأويل أو تفسير مثل هذا الحديث.
ثانيا: لقد اندمجت شخصية الأستاذ فتح الله كولن بحركة وأبناء ومجتمع الخدمة. فالجميع يعلم أنه عندما يقال "الأستاذ خوجا أفندي" لا يقصد به ابن رامز ورفيعة هانم. وبالتالي إن من يجد في كلام الأستاذ حدة ينبغي أن يرى الصورة كلية، ويضع نصب عينيه جميع ما مورس ويمارس ويراد أن يمارس طيلة 11 عاما على أفراد ومؤسسات يدعمون الخدمة تطوعا، من تصرفات سلبية سرا وعلانية. إن من يبدأ كلامه بكيل الاتهامات على شخصية الأستاذ إنما يهاجم مجتمع الخدمة، ومن يبدأ بمهاجمة المؤسسات بافتراءات تجعل الحليم حيران، لا يمكنك أن تحسن الظن به.
ثالثا: يجب التنويه بالصبر الذي أبداه الأستاذ طيلة 75 سنة من حياته مقابل ألوان شتى من الأذى والإهانة سواء من قبل الصديق أو العدو. بالله عليكم نحن نتحدث عن شخص ما فتئ يردد هذه العبارة: "أقسمت ألا أقاطع أحدا، أقسمت أن أقابل الموت بابتسام، أقسمت أن أرى الجفوة والوفاء شيئا واحدا. إنني لا أملك صلاحية العفو حيث تنتهك حقوق الله، لكنني أقسمت ألا أشكو أحدا يوم القيامة في حق ظلمني فيه".
لقد تعرض هو شخصيا، وتعرضت الشخصية المعنوية للخدمة لمظالم عديدة يحق لها أن تسجل في تاريخ المظالم بامتياز، مع ذلك كان تعليقه: "ما باليد من حيلة، لم يعطنا الله ضرسا نعض به، أو قبضة وحشية نبطش بها. ثم كل يعمل على شاكلته. ليس من الأدب أن نخرج عن أخلاقنا لنسيء إلى أحد. إذا فعلنا ذلك فقد احتقرنا أنفسنا، وحاشا لله أن نحتقرها، لذا نفضل الاكتفاء بابتلاع العلقم في أماكن يمكننا أن نملأها ضجيجا لو أردنا ذلك".
إنه شخصية من هذا الطراز الرفيع حيث يهدئك دائما، ويعلمك معنى الصبر، بل ويعلم الصبرَ نفسَه كيف يصبر. وإليكم بعبارة من عباراته: "سأصبر إلى أن يأتيني الصبر يوما يستوّل مني صبرا".
لقد نبه رفاقَ دربه وأحباءَه دائما بهذه الكلمات: “إياكم أن تواجهوا العنف بالعنف، والشدة بالشدة". وكم من مرة انسكبت من بين شفتيه هذه العبارات: "منذ سنين وسنين أهمّ بأن أكيل اللعنات على الظلم، وأبصق في وجه الظالم، وألجم فاه المفتري، وأصرخ في وجه المتآمر أن "كفى".. نعم، تصل العبارات إلى طرف لساني.. لكنني حفاظا على الأمن والسلام بين أبناء الوطن، وخوفا على السكينة الداخلية واستقرار البلد، أبتلع الكلمات علقما، وأقول في نفسي إن الله يرى ويعلم كل شيء. كما أنني إكراما للتصور والأسلوب الإسلامي الذي أنتمي إليه أفضل أن أقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" حتى في المواقع التي يرفع فيها كل من هبّ ودبّ صوته كذبا وزورا، وأكتفي بالقول "حتى هذه نصبر عليها".
إذن ما الذي حصل حتى رفع الأستاذ يديه إلى الرحمن الرحين ودعا بذلك الدعاء الضارع الذي عقّب عليه قائلا “لم يسبق أن قلت كذلك، لكن لم يكن بد من قول ذلك". جواب ذلك ثلاث كلمات: "تصدعت صخرة صبره". إنه رأى أن التزام الصمت وتكرار "لا حول ولا قوة إلا بالله" لن يثني هؤلاء الذين اعتدوا على حقوق الآلاف من الأبرياء ومئات الآلاف من الأيتام.. لن يثنيهم عن فعلتهم ولن يعيدهم إلى رشدهم أو يدفعهم إلى استغفار من ذنبهم، فأحال القضية إلى صاحبها الحقيقي سبحانه. نعم، فعل ذلك، لأنه استنفد جميع أسباب الحل في دائرة الأسباب.
لكن أليسوا مسلمين؟ نعم، ولكن إسلامهم هل يغير النتيجة؟ هل يبرئهم من التورط فيما تورطوا فيه؟ بالله عليكم، إذا ارتكب فرد جريمة مناقضة لقوانين الدولة، أو إذا ارتكب جريمة مناقضة للقيم الأخلاقية أو الدينية، هل ننظر إلى انتمائه الديني لكي نحكم له أو عليه، أم ننظر إلى طبيعة الجريمة أيا كان انتماؤه؟ نعم، تلك هي مربط الفرس والسلام.
المصدر: جريدة زمان التركية، 28 ديسمبر 2013.