أكد الأستاذ فتح الله كولن في حوار أجرته معه صحيفة "وول ستريت" الأمريكية أن مواقفه السياسية لم تتغير عما كانت عليه سابقا حيث كان مهتما وملتزما بالمبادئ والقيم الإنسانية المشتركة مثل تكريم الإنسان وتحقيق الديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان وتأمين مزيد من الحريات، وأن تحالفه لم يكن أبدا مع أحزاب ولا أشخاص، إنما كان مع تلك المبادئ دائما، وسيبقى كذلك مستقبلا. وفيما يلي ننشر ترجمة الحوار إلى اللغة العربية:
س: لاحظنا في الأسابيع الماضية تكرار هجوم رئيس الوزراء عليكم وعلى جماعة "الخدمة". هل تعتقدون أن تحالفكم مع فصيل حزب العدالة والتنمية قد وصل إلى نهايته؟
إذا كنا سنتكلم عن تحالفٍ، فهو حول قيم مشتركة كالديمقراطية، وحقوق الإنسان الكونية والحريات، وليس أبدا من أجل أهداف سياسية أو انتخابية. فقد سبق وقلت في استفتاء 2010 أنه لو كانت هذه الإصلاحات الديمقراطية، التي تتماشى مع متطلبات الاتحاد الأوروبي للحصول على العضوية، قد دُشنت من طرف حزب الشعب الجمهوري لدعمتها.
إن هناك شريحة واسعة من الشعب التركي، بما في ذلك أفراد من حركة "الخدمة"، تدعم حزب العدالة والتنمية في طريقه من أجل "دمقرطة" الإصلاحات، وإنهاء وصاية الجيش على السياسة، والدفع بتركيا قدما في مسارها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ودائما ما أيّدت حركةُ "الخدمة" كل ما تعتبره حقا ويتماشى مع مبادئ الديمقراطية، ولكنها أيضا انتقدت على الدوام كل ما تعتبره خاطئا ويتعارض مع تلك المبادئ.
إن قيمنا ومواقفنا لم تتغير. وسوف نستمر في الدعوة إلى الديمقراطية والدفاع عنها. أما مسألة هل مواقف وتصرفات الفاعلين السياسيين الحالية تتطابق مع سجلّ الإصلاحات السابق، فهذا يقرره الشعب التركي والمراقبون غير المتحيزين.
س: لقد دام تحالفكم مع السيد أردوغان لمدة عشر سنوات، ما هو الموقف الذي أزعجكم كثيرا حول قيادته؟
أريد أن أؤكد مرة أخرى أن تحالفنا كان حول القيم الإنسانية والمبادئ الكونية. ولقد دعمنا الإصلاحات الديمقراطية التي قام بها حزب العدالة والتنمية طوال مدة حكمه،لكننا كذلك انتقدنا وعارضنا الإجراءات اللاديمقراطية. ففي سنة 2005، مثلا، انتقدنا مشروع قانون مكافحة الإرهاب، الذي كان غير واضح في تعريفه بجرائم الإرهاب، وكان سيلحق ضررا ببعض الحريات.
لقد كان توجه حزب العدالة والتنمية العام خلال المدة ما بين 2003 و2010 ينحو نحو الإصلاحات الديمقراطية، وقد أيّدت ذلك شرائحُ واسعة من الشعب التركي. كما أن هذا بدا واضحا في استفتاء 2010 الذي حصل على موافقة 58%. وبالفعل فقد حققت تركيا نموا اقتصاديا وديمقراطيا خلال الخمسة عشر سنة الماضية.
لكننا نود استمرار هذه الإصلاحات الديمقراطية. فالشعب التركي الذي دعم التعديلات الدستورية لسنة 2010 برفعه شعار "هذا جيد، لكنه غير كاف" مُستاء اليوم لملاحظة تراجع التقدم الديمقراطي في العامين الأخيرين. فمن شأن دستور جديد، صِيغ مدنيا، أن يعزز المكتسبات الديمقراطية وأن يرسّخ قيم الاتحاد الأوروبي الديمقراطية بتركيا. لكن، من المؤسف معرفة أن هذا الجهد قد تم التخلي عنه.
س: كيف ترون قرار رئيس الوزراء في عزل قيادات مهمة داخل سلك الشرطة؟
إذا انتَهكت قوّاتُ الشرطة أو أيّ وكالة حكومية أخرى قوانين البلاد أو قواعد المؤسسات التي تنتمي إليها، فلا أحد يمكنه أن يدافع عن مثل هذه الخروقات، ويجب على من اقترف ذلك أن يخضع للتحقيقات القانونية والمؤسساتية. ولكن، إن لم يكونوا قد فعلوا شيئا من هذا القبيل، ومع ذلك يُتّهمون بناء على تصوراتهم واختياراتهم أو انتمائاتهم، ويتعرضون لمعاملة تمييزية، فمثل هذا التعامل لا يمتّ بصلة لا إلى الديمقراطية، ولا إلى حكم القانون، ولا إلى حقوق الإنسان الكونية.
لقد كان إعفاء أو تطهير قيادات وكوادر بدافع إيديولوجي، أو عاطفي، أو فكري من ممارسات الماضي. وقد وعد الحزب الحاكم الناس خلال حملة الانتخابات بوقف مثل هذه الممارسات، غير أنه من المفارق معرفة أن من اعتبرناهم قبل شهور أبطالا من أبناء سلك الشرطة والقضاء، يتم اليوم عزلهم من دون أيّ تحقيق.
س: لماذا تشجع حركة "الخدمة" بشكل قوي تلاميذها على ولوج سلكي الشرطة والقضاء؟
دعونا أولا نصحح طرح السؤال. إنني أتحدث فقط عن دعوتي الخاصة التي وجهتها للشعب التركي بشكل عام.لقد اعتقدتُ دائما أن التعليم هو أفضل وسيلة لتنشئة الأفراد وبناء قاعدة صلبة للمجتمع. يبدأ كل مشكل اجتماعي مع الفرد، ويمكن حَلّه على المدى الطويل على مستوى الفرد. أما الحلول التي تعتمد على المنطق التنظيمي، أو المؤسساتي، أو السياسي، فمصيرها يكون دائما الفشل، خصوصا إذا أَهملتِ الفرد. ولذلك كانت دعوتي في الأول والآخر للتعليم. وهذا ما شجّع كثيرا من الناس الذين اتفقوا مع أفكاري على إنشاء مؤسسات تعليمية مختلفة. فكانت هناك بيوت الطلبة، ومراكز التحضير للامتحانات، ومدارس خاصة، ومراكز دعم مجانية. وقد مكّنت هذه المؤسسات شرائح مجتمعية واسعة من الحصول على تعليم رفيع الجودة، الشيء الذي كان ولحدّ الآن متوفرا فقط لقلة محظوظة.
لقد شجّعتُ الشعب التركي على أن يُمثَّل في جميع أوجه مجتمعه وفي مختلف مؤسسات بلده، لأنه من المهم جدا أن تَعكِس هذه المؤسسات تنوع المجتمع.لكن اختيار المسار المهني يكون بيد الطلاب وأولياء أمورهم، وقد تُؤثّر بعضُ العوامل كفرص العمل المتاحة أو فرص الترقي المهني على اختياراتهم. ثم إنني لست متأكدا من مدى تأثير دعوتي الخاصةللتعليم على اختيارات هؤلاء الطلبة.
كما أنه ليس لديّ تقييم دقيق حول الاختيارات المهنية التي اختارها خريجو مدارس “الخدمة”. ولكن على عكس ما قد يَتصوّر البعض، فالملاحظ تاريخيا وعمليا،أن التخرج من إحدى مدارس الخدمة كان يعتبر سببا محتملا للتمييز السلبي للالتحاق في المجالاتالتي ذُكِرتْ (الشرطة والقضاء).
س: لقد أومأت الحكومة إلى أنها ستراجع الأحكام التي أُصدرت ضد ضباط الجيش المتهمين بالتآمر في الانقلابات. فهل تخشون أن يكون هناك محاولة لخلق تحالف جديد ضد أفراد "الخدمة" والمتعاطفين معها؟ وكيف ترون مواجهة ذلك؟
إعادة المحاكمة في ضوء أدلة جديدة أو ظهور مخالفات فيالإجراءات القانونية حق من حقوق الإنسان العالمية. فإذا ظهرت أدلة جديدة، أو تم تحديد عيب مّا في الإجراء القانوني، تصبح إعادة المحاكمة حقا قانونيا. لا أحد يريد لشخص بريءأن يخضع للعقاب ظلما.
لكن، إذا كان القصد من ذلك هو إلغاء أحكام الآلاف من المحاكمات، فمن شأن خطوة كهذه إضعافُ النظام القضائي وتقويض سلطته، كما أنه من شأنها نقضُ مكتسبات العقد الماضي الديمقراطية. سيكون من الصعب جدا تفسير هكذا خطوة إلى 58٪ من الشعب التركي الذي أيّد التعديلات الدستورية لعام 2010، والتي جعلت من الممكن محاسبة الانقلابيين السابقين أمام محاكم مدنية لأول مرة في تاريخ تركيا، وستكون أيضا خطوة تتناقض والمواقف الإيجابية لقياديّي الحكومة الحالية، الذين لطالما ناصروا هذه المحاكمات باعتبارها فوزا للديمقراطية، وأشادوا، بِلُغتهم، بالنواب العامين والقضاة الشجعان الذين قاموا بتلك المحاكمات. وقد كان هناك عدة تقارير تتحدث عن قادة سياسيين يتفاخرون بمسألة إخضاع القيادة العسكرية للسلطة المدنية.
إن الخطاب السياسي الحالي الذي يُشكك في هذه المحاكمات وينسبها إلى مجموعة معينة داخل السلطة القضائية،يتناقض تماما مع خطاب نفس القادة السياسيين خلال عشر سنوات من الحكم. هناك أيضا نوع من عدم المصداقية هنا. فعندما استُدعي مدير جهاز المخابرات التركية من قبل المدعي العام من أجل استجوابه في المشاركة المزعومة لبعض ضباط المخابرات في الأعمال الإرهابية التي قامت بها وحدات حزب العمال الكردستاني وتنظيم المنظمات الكردية، مررت الحكومة فورا قانونا يقضي بلزوم موافقة رئيس الوزراء على التحقيق مع مدير المخابرات. وفي حين أنه كان بيد الحزب الحاكم السلطة للقيام بنفس الشيء، فإنهم لم يمرروا أي قانون مشابه يقضي بحماية رئيس هيئة الأركان العامة أو قادة الجيش. هذا التناقض يُظهر بوضوح أن الخطاب الأخير حول إعادة محاكمات ضباط الجيش له دوافع سياسية وليس من أجل تحقيق العدالة لهؤلاء الضباط.
وإذا ما تم تنفيذ مثل هذه الخطوة فسيكون ذلك كالضربة القاضية للإصلاحات الديمقراطية في العقود الأخيرة، كما أن ذلك سيشكل تحولا دراماتيكيا للجهود الرامية إلى إزالة الوصاية العسكرية عن المؤسسات الديمقراطية. ولقد أطيح في التاريخ التركي، ولأكثر من نصف قرن، بأربع حكومات منتخبة من قبل انقلابات عسكرية.
س: استهدفت الحكومة مجموعة من الشركات الكبرى كشركة كوتش ودوغان، بحيث فرضت عليهم غرامات ضريبية بسبب مواقفهم السياسية المغايرة لمواقف أردوغان. فهل ترون أن هناك تهديدا للشركات المدارة من طرف أفراد "الخدمة" في ضوء الأحداث الأخيرة؟
إنني أعلم من خلال التقارير الإخبارية أن ما تسمونه الآن تهديدا لم يعد كذلك، بل أصبح حقيقة واقعية. فقد استُهدِفت كل من مجموعة كوزا، ومجموعة استقبال، وبنك آسيا بأشكال مختلفة من عمليات التفتيش غير العادية، وأجبرت على أداء غرامات، وألغيت لها بعض الرخص، وسحبت من مواردها المالية مبالغ ضخمة من دون سابق إشعار، كما تبع ذلك حملة سوداء ضد بنك آسيا قادتها بعض الوسائل الإعلامية المعروفة بقربها من الحزب الحاكم.
س: يعتبر الرئيس كُول زعيما معتدلا يمكنه جمع فصائل سياسية مختلفة بدءا من المحافظين إلى الليبراليين وكذلك جماعة "الخدمة". فهل ستدعمون حزب العدالة والتنمية بقيادة السيد كول كرئيس وزراء أم تظنون أنه أكثر فائدة للبلاد كرئيس؟ وهل تتعاطفون أكثر مع شعبية كُول مقارنة مع أردوغان؟
لقد حاولنا دائما الحفاظ على نفسالعلاقة الطيبة مع جميع الأحزاب السياسية. فنحن كحركة تنتمي إلى المجتمع المدني،لم نؤيد أبدا فكرة دعم حزب ما أو مرشح ما. لكن هناك أفراد من "الخدمة" وَجَدوا في بعض الأحزاب السياسية وبعض المرشحين قريبين من معتقداتهم وقيمهم، فدعموهم بإرادتهم الحرة. أما السيد كول فهو رئيسنا الحالي، ومن غير اللائق إقحام اسمه في تكهّنات حول سيناريوهات مستقبلية.
س: لقد عبر كثير من مؤيديكم عبر وسائل الإعلام عن مواقف إيجابية حول قيادة حزب الشعب الجمهوري في الأسابيع الأخيرة. فهل تعتقدون أنه من الممكن حدوث تحالف بين “الخدمة” وحزب الشعب الجمهوري خلال الدورة الانتخابية القادمة؟
أعيد مرة أخرى أننا لم يسبق لنا أن كوّنا أي تحالف أو شراكة مع أي حزب أو مرشح. فدعمُنا أو انتقادنا كان دائما للقيم والمبادئ. مثل هذا التحالف الذي تتحدثون عنه لن يكون في المستقبل أبدا. وكفاعلين في المجتمع المدني، فمن الواجب علينا أن نبقى منفتحين على الجميع داخل المجتمع. والمهم أن قيمنا واضحة. الديمقراطية، حقوق الإنسان الكونية، الحريات، الحكومة الشفافة والمسؤولة أمام الجميع، كلها من ضمن قيمنا. وعندما تتسنى الفرصة لهم، فسيقوم أفراد "الخدمة"، تماما كأيّ مواطن آخر، باختيار الأنسب بناء على قيمهم. كما أنه من الممكن أن يقوم الناس الذين يتقاسمون قيما جوهرية بالاختيار استنادا على نفس الأساس.
حاوره: جو باركينسون، وجاي سولومون
س: لاحظنا في الأسابيع الماضية تكرار هجوم رئيس الوزراء عليكم وعلى جماعة "الخدمة". هل تعتقدون أن تحالفكم مع فصيل حزب العدالة والتنمية قد وصل إلى نهايته؟
إذا كنا سنتكلم عن تحالفٍ، فهو حول قيم مشتركة كالديمقراطية، وحقوق الإنسان الكونية والحريات، وليس أبدا من أجل أهداف سياسية أو انتخابية. فقد سبق وقلت في استفتاء 2010 أنه لو كانت هذه الإصلاحات الديمقراطية، التي تتماشى مع متطلبات الاتحاد الأوروبي للحصول على العضوية، قد دُشنت من طرف حزب الشعب الجمهوري لدعمتها.
إن هناك شريحة واسعة من الشعب التركي، بما في ذلك أفراد من حركة "الخدمة"، تدعم حزب العدالة والتنمية في طريقه من أجل "دمقرطة" الإصلاحات، وإنهاء وصاية الجيش على السياسة، والدفع بتركيا قدما في مسارها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ودائما ما أيّدت حركةُ "الخدمة" كل ما تعتبره حقا ويتماشى مع مبادئ الديمقراطية، ولكنها أيضا انتقدت على الدوام كل ما تعتبره خاطئا ويتعارض مع تلك المبادئ.
إن قيمنا ومواقفنا لم تتغير. وسوف نستمر في الدعوة إلى الديمقراطية والدفاع عنها. أما مسألة هل مواقف وتصرفات الفاعلين السياسيين الحالية تتطابق مع سجلّ الإصلاحات السابق، فهذا يقرره الشعب التركي والمراقبون غير المتحيزين.
س: لقد دام تحالفكم مع السيد أردوغان لمدة عشر سنوات، ما هو الموقف الذي أزعجكم كثيرا حول قيادته؟
أريد أن أؤكد مرة أخرى أن تحالفنا كان حول القيم الإنسانية والمبادئ الكونية. ولقد دعمنا الإصلاحات الديمقراطية التي قام بها حزب العدالة والتنمية طوال مدة حكمه،لكننا كذلك انتقدنا وعارضنا الإجراءات اللاديمقراطية. ففي سنة 2005، مثلا، انتقدنا مشروع قانون مكافحة الإرهاب، الذي كان غير واضح في تعريفه بجرائم الإرهاب، وكان سيلحق ضررا ببعض الحريات.
لقد كان توجه حزب العدالة والتنمية العام خلال المدة ما بين 2003 و2010 ينحو نحو الإصلاحات الديمقراطية، وقد أيّدت ذلك شرائحُ واسعة من الشعب التركي. كما أن هذا بدا واضحا في استفتاء 2010 الذي حصل على موافقة 58%. وبالفعل فقد حققت تركيا نموا اقتصاديا وديمقراطيا خلال الخمسة عشر سنة الماضية.
لكننا نود استمرار هذه الإصلاحات الديمقراطية. فالشعب التركي الذي دعم التعديلات الدستورية لسنة 2010 برفعه شعار "هذا جيد، لكنه غير كاف" مُستاء اليوم لملاحظة تراجع التقدم الديمقراطي في العامين الأخيرين. فمن شأن دستور جديد، صِيغ مدنيا، أن يعزز المكتسبات الديمقراطية وأن يرسّخ قيم الاتحاد الأوروبي الديمقراطية بتركيا. لكن، من المؤسف معرفة أن هذا الجهد قد تم التخلي عنه.
س: كيف ترون قرار رئيس الوزراء في عزل قيادات مهمة داخل سلك الشرطة؟
إذا انتَهكت قوّاتُ الشرطة أو أيّ وكالة حكومية أخرى قوانين البلاد أو قواعد المؤسسات التي تنتمي إليها، فلا أحد يمكنه أن يدافع عن مثل هذه الخروقات، ويجب على من اقترف ذلك أن يخضع للتحقيقات القانونية والمؤسساتية. ولكن، إن لم يكونوا قد فعلوا شيئا من هذا القبيل، ومع ذلك يُتّهمون بناء على تصوراتهم واختياراتهم أو انتمائاتهم، ويتعرضون لمعاملة تمييزية، فمثل هذا التعامل لا يمتّ بصلة لا إلى الديمقراطية، ولا إلى حكم القانون، ولا إلى حقوق الإنسان الكونية.
لقد كان إعفاء أو تطهير قيادات وكوادر بدافع إيديولوجي، أو عاطفي، أو فكري من ممارسات الماضي. وقد وعد الحزب الحاكم الناس خلال حملة الانتخابات بوقف مثل هذه الممارسات، غير أنه من المفارق معرفة أن من اعتبرناهم قبل شهور أبطالا من أبناء سلك الشرطة والقضاء، يتم اليوم عزلهم من دون أيّ تحقيق.
س: لماذا تشجع حركة "الخدمة" بشكل قوي تلاميذها على ولوج سلكي الشرطة والقضاء؟
دعونا أولا نصحح طرح السؤال. إنني أتحدث فقط عن دعوتي الخاصة التي وجهتها للشعب التركي بشكل عام.لقد اعتقدتُ دائما أن التعليم هو أفضل وسيلة لتنشئة الأفراد وبناء قاعدة صلبة للمجتمع. يبدأ كل مشكل اجتماعي مع الفرد، ويمكن حَلّه على المدى الطويل على مستوى الفرد. أما الحلول التي تعتمد على المنطق التنظيمي، أو المؤسساتي، أو السياسي، فمصيرها يكون دائما الفشل، خصوصا إذا أَهملتِ الفرد. ولذلك كانت دعوتي في الأول والآخر للتعليم. وهذا ما شجّع كثيرا من الناس الذين اتفقوا مع أفكاري على إنشاء مؤسسات تعليمية مختلفة. فكانت هناك بيوت الطلبة، ومراكز التحضير للامتحانات، ومدارس خاصة، ومراكز دعم مجانية. وقد مكّنت هذه المؤسسات شرائح مجتمعية واسعة من الحصول على تعليم رفيع الجودة، الشيء الذي كان ولحدّ الآن متوفرا فقط لقلة محظوظة.
لقد شجّعتُ الشعب التركي على أن يُمثَّل في جميع أوجه مجتمعه وفي مختلف مؤسسات بلده، لأنه من المهم جدا أن تَعكِس هذه المؤسسات تنوع المجتمع.لكن اختيار المسار المهني يكون بيد الطلاب وأولياء أمورهم، وقد تُؤثّر بعضُ العوامل كفرص العمل المتاحة أو فرص الترقي المهني على اختياراتهم. ثم إنني لست متأكدا من مدى تأثير دعوتي الخاصةللتعليم على اختيارات هؤلاء الطلبة.
كما أنه ليس لديّ تقييم دقيق حول الاختيارات المهنية التي اختارها خريجو مدارس “الخدمة”. ولكن على عكس ما قد يَتصوّر البعض، فالملاحظ تاريخيا وعمليا،أن التخرج من إحدى مدارس الخدمة كان يعتبر سببا محتملا للتمييز السلبي للالتحاق في المجالاتالتي ذُكِرتْ (الشرطة والقضاء).
س: لقد أومأت الحكومة إلى أنها ستراجع الأحكام التي أُصدرت ضد ضباط الجيش المتهمين بالتآمر في الانقلابات. فهل تخشون أن يكون هناك محاولة لخلق تحالف جديد ضد أفراد "الخدمة" والمتعاطفين معها؟ وكيف ترون مواجهة ذلك؟
إعادة المحاكمة في ضوء أدلة جديدة أو ظهور مخالفات فيالإجراءات القانونية حق من حقوق الإنسان العالمية. فإذا ظهرت أدلة جديدة، أو تم تحديد عيب مّا في الإجراء القانوني، تصبح إعادة المحاكمة حقا قانونيا. لا أحد يريد لشخص بريءأن يخضع للعقاب ظلما.
لكن، إذا كان القصد من ذلك هو إلغاء أحكام الآلاف من المحاكمات، فمن شأن خطوة كهذه إضعافُ النظام القضائي وتقويض سلطته، كما أنه من شأنها نقضُ مكتسبات العقد الماضي الديمقراطية. سيكون من الصعب جدا تفسير هكذا خطوة إلى 58٪ من الشعب التركي الذي أيّد التعديلات الدستورية لعام 2010، والتي جعلت من الممكن محاسبة الانقلابيين السابقين أمام محاكم مدنية لأول مرة في تاريخ تركيا، وستكون أيضا خطوة تتناقض والمواقف الإيجابية لقياديّي الحكومة الحالية، الذين لطالما ناصروا هذه المحاكمات باعتبارها فوزا للديمقراطية، وأشادوا، بِلُغتهم، بالنواب العامين والقضاة الشجعان الذين قاموا بتلك المحاكمات. وقد كان هناك عدة تقارير تتحدث عن قادة سياسيين يتفاخرون بمسألة إخضاع القيادة العسكرية للسلطة المدنية.
إن الخطاب السياسي الحالي الذي يُشكك في هذه المحاكمات وينسبها إلى مجموعة معينة داخل السلطة القضائية،يتناقض تماما مع خطاب نفس القادة السياسيين خلال عشر سنوات من الحكم. هناك أيضا نوع من عدم المصداقية هنا. فعندما استُدعي مدير جهاز المخابرات التركية من قبل المدعي العام من أجل استجوابه في المشاركة المزعومة لبعض ضباط المخابرات في الأعمال الإرهابية التي قامت بها وحدات حزب العمال الكردستاني وتنظيم المنظمات الكردية، مررت الحكومة فورا قانونا يقضي بلزوم موافقة رئيس الوزراء على التحقيق مع مدير المخابرات. وفي حين أنه كان بيد الحزب الحاكم السلطة للقيام بنفس الشيء، فإنهم لم يمرروا أي قانون مشابه يقضي بحماية رئيس هيئة الأركان العامة أو قادة الجيش. هذا التناقض يُظهر بوضوح أن الخطاب الأخير حول إعادة محاكمات ضباط الجيش له دوافع سياسية وليس من أجل تحقيق العدالة لهؤلاء الضباط.
وإذا ما تم تنفيذ مثل هذه الخطوة فسيكون ذلك كالضربة القاضية للإصلاحات الديمقراطية في العقود الأخيرة، كما أن ذلك سيشكل تحولا دراماتيكيا للجهود الرامية إلى إزالة الوصاية العسكرية عن المؤسسات الديمقراطية. ولقد أطيح في التاريخ التركي، ولأكثر من نصف قرن، بأربع حكومات منتخبة من قبل انقلابات عسكرية.
س: استهدفت الحكومة مجموعة من الشركات الكبرى كشركة كوتش ودوغان، بحيث فرضت عليهم غرامات ضريبية بسبب مواقفهم السياسية المغايرة لمواقف أردوغان. فهل ترون أن هناك تهديدا للشركات المدارة من طرف أفراد "الخدمة" في ضوء الأحداث الأخيرة؟
إنني أعلم من خلال التقارير الإخبارية أن ما تسمونه الآن تهديدا لم يعد كذلك، بل أصبح حقيقة واقعية. فقد استُهدِفت كل من مجموعة كوزا، ومجموعة استقبال، وبنك آسيا بأشكال مختلفة من عمليات التفتيش غير العادية، وأجبرت على أداء غرامات، وألغيت لها بعض الرخص، وسحبت من مواردها المالية مبالغ ضخمة من دون سابق إشعار، كما تبع ذلك حملة سوداء ضد بنك آسيا قادتها بعض الوسائل الإعلامية المعروفة بقربها من الحزب الحاكم.
س: يعتبر الرئيس كُول زعيما معتدلا يمكنه جمع فصائل سياسية مختلفة بدءا من المحافظين إلى الليبراليين وكذلك جماعة "الخدمة". فهل ستدعمون حزب العدالة والتنمية بقيادة السيد كول كرئيس وزراء أم تظنون أنه أكثر فائدة للبلاد كرئيس؟ وهل تتعاطفون أكثر مع شعبية كُول مقارنة مع أردوغان؟
لقد حاولنا دائما الحفاظ على نفسالعلاقة الطيبة مع جميع الأحزاب السياسية. فنحن كحركة تنتمي إلى المجتمع المدني،لم نؤيد أبدا فكرة دعم حزب ما أو مرشح ما. لكن هناك أفراد من "الخدمة" وَجَدوا في بعض الأحزاب السياسية وبعض المرشحين قريبين من معتقداتهم وقيمهم، فدعموهم بإرادتهم الحرة. أما السيد كول فهو رئيسنا الحالي، ومن غير اللائق إقحام اسمه في تكهّنات حول سيناريوهات مستقبلية.
س: لقد عبر كثير من مؤيديكم عبر وسائل الإعلام عن مواقف إيجابية حول قيادة حزب الشعب الجمهوري في الأسابيع الأخيرة. فهل تعتقدون أنه من الممكن حدوث تحالف بين “الخدمة” وحزب الشعب الجمهوري خلال الدورة الانتخابية القادمة؟
أعيد مرة أخرى أننا لم يسبق لنا أن كوّنا أي تحالف أو شراكة مع أي حزب أو مرشح. فدعمُنا أو انتقادنا كان دائما للقيم والمبادئ. مثل هذا التحالف الذي تتحدثون عنه لن يكون في المستقبل أبدا. وكفاعلين في المجتمع المدني، فمن الواجب علينا أن نبقى منفتحين على الجميع داخل المجتمع. والمهم أن قيمنا واضحة. الديمقراطية، حقوق الإنسان الكونية، الحريات، الحكومة الشفافة والمسؤولة أمام الجميع، كلها من ضمن قيمنا. وعندما تتسنى الفرصة لهم، فسيقوم أفراد "الخدمة"، تماما كأيّ مواطن آخر، باختيار الأنسب بناء على قيمهم. كما أنه من الممكن أن يقوم الناس الذين يتقاسمون قيما جوهرية بالاختيار استنادا على نفس الأساس.
حاوره: جو باركينسون، وجاي سولومون