إسطنبول (زمان عربي) – علق الداعية الإسلامي الأستاذ فتح الله كولن على الأحداث وأعمال الشغب الأخيرة، التي شهدتها تركيا، بقوله إنه لا يمكن حل الأزمة بوصفات كاذبه بدلا عن تنفيذ مطالب أبناء جنوب شرق الأناضول، كما وصف من يتهمون حركة الخدمة، التي تستلهم فكره بالوقوف وراء هذه الأحداث بأنهم من الرعاع الذين لا يصدقون أنفسهم.
جاء ذلك في الدرس الأسبوعي رقم 426 للأستاذ كولن، على موقع (Herkul.org) ، والذي حمل عنوان: “ترقيع ثغرات اللصوصية من خلال تهمة الكيان الموازي والإرهاب”، حيث أوضح أنه لا يمكن حل الأزمة بوصفات كاذبة وقال: “كان من الواجب أن تُنفذ مطالب الناس في جنوب شرق الأناضول ضمن الأطر المشروعة”.
كما وجه كلامه للذين يريدون أن يربطوا الأحداث الأخيرة في تركيا بحركة الخدمة حيث قال: “قد يقول بعض الرعاع إن الكيان الموازي خلف هذه الأحداث… ولكنهم أنفسهم لا يصدقون تلك الأكاذيب، إلا أنهم يحاولون التستر على مساوئهم (الفساد)، لكن تلك الرقعة لن تستر ثغرتهم ولن تجدي نفعًا. إنهم يلهون بذلك دون فائدة، فثغرتهم كبيرة وهذه الرقعة لا تكفي لذلك”.
ومن أبرز ما ورد في درس الأستاذ كولن مايلي:
أنبأتنا الأحاديث الشريفة أن من علامات الساعة ظهور الفتن والمصائب والكوارث، ففي أواخر عهد النبوة وعهد علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ظهرت بعض تلك الفتن، وكما قال بديع الزَّمان سعيد النورسي إن الفتن ارتطمت بعلي (كرم الله وجهه) فقضى عليها نسبياً، فقد حدثت الفتن الصغيرة من قبل حركة الحروريين والخوارج الذين لم يدركوا الحقائق كما أدركها سيدناعلي وقد كان الرسول محمد (ص) قد حدثنا عن زمان تسوده الفتنة، حيث وصفها بقوله: “لا يعرف القتيل فيم قُتل، ولا القاتل فيم قَتل”.
وهؤلاء ممثلو فلسفة ألبرت كاموس الذي يقول: تمرد على جميع القيم وحطمها، فهناك أناس متعطشون لسفك الدماء في كل أنحاء العالم وفي تركيا، ونجد في المقابل أدمغة بسيطة لا تحرك ساكنا إزاء ما يجب القيام به لمواجهة هذه المشكلة المعقدة، وأناسًا لا يفقهون شيئًا في الدبلوماسية، ولا يضعون حلولاً للمشكلة، وزعماء عاجزون عن تقديم وصفة لهذا المرض المخيف، وهؤلاء رؤساء عظام وفخام شكلاً وفي الحقيقة لا يصلحون لحراسة قرية واحدة.
لا تُحل المشاكل بوصفات كاذبة
ورد ذكر الذين يسفكون الدماء في “كتاب الفتن والملاحم”. وقد عظم شأن هؤلاء في عصرنا هذا، فانظروا إلى العراق وسوريا ومصر وبنجلاديش وميانمار وتركيا، فحتى الأمس ربما حدث شيء ما في مكان واحد فقط، وكنتم مرتاحين لأن أمامكم مشكلة واحدة فقط هي حزب العمال الكردستاني. وليت المشكلة اكتُشفت منذ البداية، ولم يُستخدم العنف في مواجهتها، وليت المسؤولين أخذوا الحلول التي طرحها البعض بعين الاعتبار، وليته تم الاهتمام بالتعليم والصحة كما ينبغي، ولو كانت قوات الشرطة حراس البيوت هناك،ولو نهج المسؤولون المحليون هذا المنهج، ولو أن ضباط الجيش والمعلمين احتضنوا الجميع ورأفوا بهم، ونفذوا مطالبهم المشروعة لما تفاقمت المعضلة إلى هذا الحد الذي لا ينفع معه حل.
لم يتمكنوا من فهم الأمور وإدراكها بل لم يستمعوا إلى مقدمي الحلول، وجعلوا المشكلة تتفاقم، وعزوا أنفسهم بمسيرة السلام التي راحوا يرددونها. فالصيدليات لا تعطي الدواء بناءً على وصفات كاذبة لأنها ليست دواءً لتلك المشكلة المتفاقمة. ليتهم استمعوا ولكنهم كانوا صمًّا وعُمياً وغلاظًا ولم يتدخلوا، لقد تفاقمت المشكلة بسبب بعض القادة وليس بسببهم كلهم.
دواء ذلك الجرح الدامي هو الشفقة والرحمة واللين
على الرغم من كل شيء، لابد من القيام بما يجب إزاء هذا الأمر: أن يحتضن رجال الأمن الأوفياء والمخلصون الناسَ في تلك المنطقة ويشفقوا عليهم، وأن يشفق الأساتذة على الطلاب وألا يقابلوا الإساءات بإساءات مماثلة، فهناك من يؤيد (من السياسيين) الرد بالمثل، ولكن ليتهم لا يفعلون ذلك وليتهم يتصرفون برأفة ولين، وإنكم تصبون الزيت على النار بانتهاجكم معالجة خاطئة في مسائل معينة واستخدامكم العنف ضد بعض الناس من ذوي التطلعات والآمال، وقد لجأ بعضهم إلى العنف نتيجة لذلك. وهذا ليس دواء للجرح الخطير. فالدواء يكمن في قبول الآخر والشفقة والرحمة واللين. وهذا الواجب الذي لم يُؤدَّ في وقته لا بدَّ من القيام به ولو بعد موعده. فقوة السلاح لا تنفع وكذلك الادعاءات الجوفاء. وإن أؤلئك الناس كانوا يأملون شيئًا، وكان من المفترض أن تتحقق آمالهم ضمن الأطر المشروعة. وكان من الواجب أن ينصب الاهتمام بتلك المنطقة لتصبح منطقةً مرموقةً، وأن يُنقذ الناس مما هم فيه من البؤس، فقد تجولت في تلك المناطق لأعاينها بأم عيني في وقت سابق، فرأيتُ بعض الناس يسكنون في الحظائر، فإذا استُفزَّ هؤلاء الناس فسينمو بداخلهم الشعور بالاضطهاد. وبالتالي ستكون هناك ردة فعل معاكسة لدى المضطَّهدين ضد من يضطهدهم. وسيحرضون غيرهم على ذلك.
وما عليكم القيام به هو الاستيعاب والرأفة واللين. وعلى الرغم من كل شيء وحتى لو احترقت مدارسكم دون أن يكترث بها أحد، وحتى لو أُضرمت النيران في مجمعاتكم الطلابية وألقيت عليها قنابل المولوتوف واستشهد مدرسوكم فيها، فعليكم أن تتفانوا فيما يجب القيام به، وكأن شيئًا لم يكن. وإن أولئك الناس إخواننا، ويجب أن نقف إلى جانبهم.
لا يمكن أن يُرقَّع ذلك الشرخ الكبير باختلاق الكيان الموازي
قد يقول بعض الرعاع “إن الكيان الموازي خلف هذه الأحداث…”، لكنهم أنفسهم لا يصدقون تلك الأكاذيب، إلا أنهم يحاولون التستر على مساوئهم، ولكن تلك الرقعة لن تستر شرخهم، إنهم يضيعون وقتهم بذلك دون فائدة. فشرخهم كبير وهذه الرقعة لا تكفي لذلك”. ولو أني سألتكم فكلكم سترفعون أيديكم تأييداً لكلامي، فوالله لا تكفي لذلك، وبالله لا تكفي لذلك، وهذا راسخ في الأدمغة والخلايا العصبية، وإنكم حتى لو سترتم ذلك فإن التاريخ سيسطِّره صفحةً صفحة بسطور سوداء في المستقبل، وسيكتب بأقلام سوداء. فإن كنتم في الدنيا فسيصفعكم وإن كنتم في الآخرة فسيتحول إلى سياط الزبانية لتجلد رؤوسكم. فوالله إن هذه الرقعة لا تغطي ذلك الشرخ.
وإن أحداث الشغب أُسندت إلى حركة الخدمة، وهذا محض افتراء وغيبة وحقد لا نجده حتى عند الكفار، فهذا السلوك الخبيث ليس له مثيل لدى أحد ممن ينتسبون إلى أديان وثقافات مختلفة في جميع أنحاء العالم. ولا تليق مثل هذه الشناعة والدناءة بأناس يدعون الالتزام بالدين والمبادئ الشعبية وقيمنا الروحية. ولكن لا بأس.
سأقول لكم شيئا.. سامحوهم، سامحوا ذوي العقول الطفولية، وأصحاب العقول الضعيفة الذين فقدوا توازنهم، لتنتقلوا إلى الآخرة ولكم حقوق في ذمم الآخرين، لتبدوا شجاعتكم هناك، فإن الله سيجمعكم بهم، وسيعرض عليكم المظالم واحدة واحدة. ويجب أن نكون شجعانًا لنقول حينها: “يا ربنا، إننا نعرض عن هذه المظالم. وأظن أن هذا الكلام دخل من إحدى الأذنين وخرج من الأخرى. فيا أرحم الراحمين أنت الذي قلتَ: (إن رحمتي سبقت غضبي)، فهلا أدخلتهم جنات الفردوس برحمتك الإلهية”.
إنهم إخواننا، ويجب أن نبذل قصارى جهودنا للصلح
إذا رحلتم إلى الآخرة ولكم حقوق في ذمم الآخرين فستملكون الشجاعة لقول ذلك. فكونوا دومًا أصحاب حقوق ولا تنتظروا الأخذ. فعليكم تقديم أجل الخدمات للناس في مختلف نواحي جنوب شرق الأناضول كما تقدمون الخدمات اليوم. فهم إخواننا منذ ألف سنة. كنا معًا في حرب جناق قلعة، وحرب الاستقلال، ومجاهدة الفرنسيين حينما احتلوا جنوب شرق الأناضول. فهم إخواننا وليسوا غرباء. ولستُ أقول هذا الكلام مجاملةً فهم فعلاً إخواننا. وعليكم أن تكونوا على أهبة الاستعداد للتفاني في خدمتهم والانصياع لأوامرهم دون انتظار الحصول على ما يقابل تلك الخدمات، فأهم ميزة لخدماتنا عدم انتظار مقابل وروح التضحية ونذر النفس للخدمة، والانصياع التام للعمل. فنحن لا نكون عبيدًا للسلاطين بل نكون عبيدًا لخدمتنا.
فما الذي بإمكاننا فعله من أجل الصلح والتفاهم والاتفاق؟ نحن لا نملك الصلاحية في هذا الموضوع لأن زمام الأمور بأيدي الآخرين. إلا أنه يجب علينا بذل قصارى جهودنا بوصفنا حركة مدنية أو حركة خدمية أو مجتمع مدني. فعليكم تطبيق كل ما يمكنكم فعله، وأن تنفقوا ما في وسعكم وأن تنفذوا كل أفكاركم البنَّاءة في هذا المجال، لتحظوا بمحبة أولئك البشر. وأن تعبروا عن أخوَّتكم اليوم كما عبرتم عنها بالأمس.
يجب أن لا يضحى بالأخوَّة المستمرة منذ ألف سنة من أجل الأهواء والرغبات
يجب ألا نضحي بالأخوة المتوارثة منذ ألف سنة من أجل بعض الأهواء والرغبات والغايات التي لا تنتهي. وعليكم أن تبذلوا كل جهودكم لتطوير المجال التربوي ولكسب قلوبهم. وحتى لو مُنعتم من تقديم المساعدات عليكم الذهاب إلى هذه المنطقة فرداً فرداً وأن تنفقوا أموالكم عليهم، فلا أحد يمكنه أن يمنعكم من ذلك. قد يمنعونكم من جمع المساعدات وفتح الحسابات المصرفية لأنكم تفعلون ما لايستطيعون فعله، ولأنهم يرون أنفسهم أولى بالحصول على محبة الناس. وهم لا يحتملون فعلكم للخير، ولا يملكون أنزيمات تساعدهم على هضم مثل هذه الأشياء. ولسان حالهم يقول: “نحن لا نفعل الخير ولا نسمح لكم بفعل الخير”. وأظن أنه لو تيسَّر لكم فتح إسطنبول لذهبوا إلى قسطنطين حاكم القسطنطينية وقالوا له: “سدوا الطريق عليهم ولا تتركوا لهم فرصة فإنهم من الكيان الموازي” لما يحملونه من أفكار كهذه ومنطق كهذا. إن هذا الطمع وهذا الحقد وهذا النفور تفاقم إلى درجة أنه يحول دون دخول الجنة.
لا تكترثوا بكل ذلك. ولا تتأثروا بما يفعلونه، ولا تتوانوا عن تقديم خدماتكم بسبب أعمالهم. بل أنفقوا أموالكم بكل نشاط وتضحية. بل ضحوا براحتكم لراحتهم، وامنحوهم حياتكم، وضحوا بها لأجلهم. فإن فعلتم ذلك “ألن يحبك الله إن أحببته” (محمد لطفي من كبار المتصوفة). ألن يفتحوا قلوبهم إن فتحتَ لهم قلبك، إن أحببتهم فهل سيقابلونك بالحقد والنفور؟
نعم عليك بالمعاملة الإنسانية وأن تنتظر الوحدة والتعاون والسلام، وأن تشجع على ذلك وتسعى إليه، وتبذل قصارى جهدك لتحقيق ذلك. لعل الذين يمارسون الشغب في الأزقة ويحرقون ممتلكات الناس يهتدون في يوم من الأيام. لأنهم يصبون جام غضبهم على الدولة أو على شخص ما، ثم يبدأون بحرق محلات تجارية لأناس أبرياء، ويحرقون السيارات ويخربون البنوك، ويداهمون المدارس والمعاهد، ويسرقون ما فيها. وهذه التصرفات لا علاقة لها بالدين ولا بالإنسانية. وقد تكون نتيجة تحريض البعض أو تابعة لأجندات خارجية، أو لأجهزة استخباراتية دولية. ويومًا ما سيدرك الناس أنهم كانوا مخدوعين، وأنهم سيقفون بين يدي الله ليحاسبوا على الأضرار التي ألحقوها بممتلكات العامة. وسيعون ما فعلوا من إلحاق الأضرار بممتلكات الشعب. وسيندمون كثيرًا. وكما قال ضياء باشا “لقد تضررنا كثيرًا في هذه الفتن، ولا أدري ما الذي استفدناه؟ وسيقولون يومًا ما هذه المقولة لأنهم أيضًا بشر. ولكن كما ترون الأزقة أصبحت ميدانًا للمعارك، وكأن الصليبيين يحتلونها، وفوق ذلك ثمة عدم إحساس بالمسؤولية إزاء هذه الأحداث. وليس هناك ردة فعل أو اكتراث، وكأنهم موتى. ولا تزال هناك محاولة لإلصاق هذا الجرم وهذه المساوئ بالآخرين، وهم غافلون إذ يظنون أنهم سينسلون من تلك المشاكل (الفساد).
داعش شبكةُ شرٍّ تشوِّه صورة الإسلام
إن محاولة حل المشاكل الدولية دون حل هذه المشكلة تُعدُّ خداعًا لذاتنا. فما إن تنتهوا من إحدى الفتن حتى تظهر فتنة غيرها، فهناك مصدر فتن وفساد بديلة جاهزة للظهور. ففي الأمس كانوا يقولون “القاعدة”. فمن أين خرجت داعش اليوم؟ وكيف كبرت وتعاظمت بشكل فوري؟ ومن هم الذين يغذونها؟ فكلهم جلادون سفاكون للدماء. حفظنا الله من هذه الفتن التي لسان حالها الخدَّاع يقول: “اقطع رأس من تراه أمامك تدخل الجنة مباشرة”. فصورة الإسلام البراقة تسودّ بسبب هؤلاء من ذوي الأفكار السوداء. وبالتالي أصبح الناس يخافون الإسلام ويبتعدون عنه.
على أن حل هذه المشاكل مرهون بحل المشاكل في ذهنك، وبإخلاصك، وبعدم العيش من أجل نفسك، وعدم رؤية أطفالك، وبالهجرة، وبالذهاب إلى بيوت المحتاجين، فأهل الحقيقة الراغبين بالوصول إليها يبحثون عنها فيجدون نبع الحقيقة العذب المورود. ويجب الذهاب إلى الذين لا يرون الحقيقة لتنبيههم لأنهم لا يدركون ذلك، فسواء كان اسمها داعش أو عفريت أو أيًا كان فهي بلامقياس ولا نظام، ولا مبدأ لها. فداعش تنظيم تغذيه أطراف مختلفة وتدعمه بالسلاح، ويتلقى التعليمات من دول مختلفة ويتدربون فيها، ويأتيه أناس من كل مكان ليشكلوا شرذمة شرٍّ في أقدس الأماكن التي يداوى فيها الناس. وهم يعيشون حياة كالقرامطة والحشاشيين (أردوغان قد وصف حركة الخدمة سابقا بالحشاشيين من أجل تشويهها)، ويعيشون كقطاع الطرق. ولكنهم لا يصفونهم بذلك. نعم، وهل تعلمون ما كنت سأقوله فيهم لو أن أخلاقي تسمح لي؟ تبًا لهذا الفهم.
فإن أفلس المنطق إلى هذا الحد، أظن أن أصغر المشاكل تصبح غير قابلة للحل ناهيك عن المشاكل الكبيرة. أسأل الله أن يمنحكم القوة والإرادة. وأن يعينكم جميعًا على السير في هذا الطريق لأداء حق إرادتكم عليكم وأن يجعلكم جميعا مستنفرين في هذا الطريق. لا تفكروا في أنفسكم. سارعوا إلى الخدمة كما فعل الطلاب الذين رموا عمائمهم وذهبوا إلى حرب جناق قلعة وهم في الـ15-16 من العمر، بإذن الله تعالى، عليكم ألا تتراجعوا عن هذه الوظيفة المطلوب القيام بها بسبب أن أحداً يقف ضدكم أو يعمل على إيذائكم. فذلك واجبكم.
ولو أنه يجوز التوقف عن وظيفة خدمة بسبب انقلاب الأحداث ضدنا وازدياد شدتها لتوقف الأنبياء العظماء منها. فقد تعرض النبي محمد (ص) لمختلف أنواع الأذى واستشهد أقرب الناس إليه في الصحراء حيث وضعت عليهم حجارة أثقل من أوزانهم، ومنهم من ثُقِّبت أجسادهم بالرماح. ولكنه أصر على موقفه بإذن الله وعنايته.
إن الرسول (ص) تعرض لمختلف أنواع المصائب في حياته إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى. فقد أوذي من قبل المشركين والملحدين وعباد الأصنام وعباد مناة وعباد اللات وعباد العُزَّى …إلخ. هذا بالإضافة إلى المنافقين الذين كانوا حوله، وكان الكفاح معهم أصعب شيء، لأنهم كانوا يأتون المساجد، ويذبحون الأضاحي، ويشتركون في الحروب من أجل الغنائم إذا توقعوا النصر. فكيف لكم ألا تنخدعوا؟ ففخر الإنسانية، النبي محمد (ص)، لم يُخدع قطّ بهم. ولكنه قال (ص) عند قتل من قال أشهد أن لا إله إلا الله: “هل شققت عن قلبه”. ولم يتوانَ قطُّ عن مواجهة المشاكل، فقدم وصفات عقلانية، مبنية على المبادئ الأساسية للقرآن الكريم، وحلَّ أعقد المشاكل.
واجهوا الفوضى ولكن دون أن تسلكوا أسلوبًا فوضويًا، وتردوا بالمثل، وتقتلوا وتظلموا، وتلجأوا إلى السيف. بل من خلال كسب القلوب والأفئدة. وحاولوا جمع قطع الثريا التي تناثرت، وسدوا ثغراتها لتكون مشعلاً تضعونه تاجًا على رؤوسكم.
جاء ذلك في الدرس الأسبوعي رقم 426 للأستاذ كولن، على موقع (Herkul.org) ، والذي حمل عنوان: “ترقيع ثغرات اللصوصية من خلال تهمة الكيان الموازي والإرهاب”، حيث أوضح أنه لا يمكن حل الأزمة بوصفات كاذبة وقال: “كان من الواجب أن تُنفذ مطالب الناس في جنوب شرق الأناضول ضمن الأطر المشروعة”.
كما وجه كلامه للذين يريدون أن يربطوا الأحداث الأخيرة في تركيا بحركة الخدمة حيث قال: “قد يقول بعض الرعاع إن الكيان الموازي خلف هذه الأحداث… ولكنهم أنفسهم لا يصدقون تلك الأكاذيب، إلا أنهم يحاولون التستر على مساوئهم (الفساد)، لكن تلك الرقعة لن تستر ثغرتهم ولن تجدي نفعًا. إنهم يلهون بذلك دون فائدة، فثغرتهم كبيرة وهذه الرقعة لا تكفي لذلك”.
ومن أبرز ما ورد في درس الأستاذ كولن مايلي:
أنبأتنا الأحاديث الشريفة أن من علامات الساعة ظهور الفتن والمصائب والكوارث، ففي أواخر عهد النبوة وعهد علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ظهرت بعض تلك الفتن، وكما قال بديع الزَّمان سعيد النورسي إن الفتن ارتطمت بعلي (كرم الله وجهه) فقضى عليها نسبياً، فقد حدثت الفتن الصغيرة من قبل حركة الحروريين والخوارج الذين لم يدركوا الحقائق كما أدركها سيدناعلي وقد كان الرسول محمد (ص) قد حدثنا عن زمان تسوده الفتنة، حيث وصفها بقوله: “لا يعرف القتيل فيم قُتل، ولا القاتل فيم قَتل”.
وهؤلاء ممثلو فلسفة ألبرت كاموس الذي يقول: تمرد على جميع القيم وحطمها، فهناك أناس متعطشون لسفك الدماء في كل أنحاء العالم وفي تركيا، ونجد في المقابل أدمغة بسيطة لا تحرك ساكنا إزاء ما يجب القيام به لمواجهة هذه المشكلة المعقدة، وأناسًا لا يفقهون شيئًا في الدبلوماسية، ولا يضعون حلولاً للمشكلة، وزعماء عاجزون عن تقديم وصفة لهذا المرض المخيف، وهؤلاء رؤساء عظام وفخام شكلاً وفي الحقيقة لا يصلحون لحراسة قرية واحدة.
لا تُحل المشاكل بوصفات كاذبة
ورد ذكر الذين يسفكون الدماء في “كتاب الفتن والملاحم”. وقد عظم شأن هؤلاء في عصرنا هذا، فانظروا إلى العراق وسوريا ومصر وبنجلاديش وميانمار وتركيا، فحتى الأمس ربما حدث شيء ما في مكان واحد فقط، وكنتم مرتاحين لأن أمامكم مشكلة واحدة فقط هي حزب العمال الكردستاني. وليت المشكلة اكتُشفت منذ البداية، ولم يُستخدم العنف في مواجهتها، وليت المسؤولين أخذوا الحلول التي طرحها البعض بعين الاعتبار، وليته تم الاهتمام بالتعليم والصحة كما ينبغي، ولو كانت قوات الشرطة حراس البيوت هناك،ولو نهج المسؤولون المحليون هذا المنهج، ولو أن ضباط الجيش والمعلمين احتضنوا الجميع ورأفوا بهم، ونفذوا مطالبهم المشروعة لما تفاقمت المعضلة إلى هذا الحد الذي لا ينفع معه حل.
لم يتمكنوا من فهم الأمور وإدراكها بل لم يستمعوا إلى مقدمي الحلول، وجعلوا المشكلة تتفاقم، وعزوا أنفسهم بمسيرة السلام التي راحوا يرددونها. فالصيدليات لا تعطي الدواء بناءً على وصفات كاذبة لأنها ليست دواءً لتلك المشكلة المتفاقمة. ليتهم استمعوا ولكنهم كانوا صمًّا وعُمياً وغلاظًا ولم يتدخلوا، لقد تفاقمت المشكلة بسبب بعض القادة وليس بسببهم كلهم.
دواء ذلك الجرح الدامي هو الشفقة والرحمة واللين
على الرغم من كل شيء، لابد من القيام بما يجب إزاء هذا الأمر: أن يحتضن رجال الأمن الأوفياء والمخلصون الناسَ في تلك المنطقة ويشفقوا عليهم، وأن يشفق الأساتذة على الطلاب وألا يقابلوا الإساءات بإساءات مماثلة، فهناك من يؤيد (من السياسيين) الرد بالمثل، ولكن ليتهم لا يفعلون ذلك وليتهم يتصرفون برأفة ولين، وإنكم تصبون الزيت على النار بانتهاجكم معالجة خاطئة في مسائل معينة واستخدامكم العنف ضد بعض الناس من ذوي التطلعات والآمال، وقد لجأ بعضهم إلى العنف نتيجة لذلك. وهذا ليس دواء للجرح الخطير. فالدواء يكمن في قبول الآخر والشفقة والرحمة واللين. وهذا الواجب الذي لم يُؤدَّ في وقته لا بدَّ من القيام به ولو بعد موعده. فقوة السلاح لا تنفع وكذلك الادعاءات الجوفاء. وإن أؤلئك الناس كانوا يأملون شيئًا، وكان من المفترض أن تتحقق آمالهم ضمن الأطر المشروعة. وكان من الواجب أن ينصب الاهتمام بتلك المنطقة لتصبح منطقةً مرموقةً، وأن يُنقذ الناس مما هم فيه من البؤس، فقد تجولت في تلك المناطق لأعاينها بأم عيني في وقت سابق، فرأيتُ بعض الناس يسكنون في الحظائر، فإذا استُفزَّ هؤلاء الناس فسينمو بداخلهم الشعور بالاضطهاد. وبالتالي ستكون هناك ردة فعل معاكسة لدى المضطَّهدين ضد من يضطهدهم. وسيحرضون غيرهم على ذلك.
وما عليكم القيام به هو الاستيعاب والرأفة واللين. وعلى الرغم من كل شيء وحتى لو احترقت مدارسكم دون أن يكترث بها أحد، وحتى لو أُضرمت النيران في مجمعاتكم الطلابية وألقيت عليها قنابل المولوتوف واستشهد مدرسوكم فيها، فعليكم أن تتفانوا فيما يجب القيام به، وكأن شيئًا لم يكن. وإن أولئك الناس إخواننا، ويجب أن نقف إلى جانبهم.
لا يمكن أن يُرقَّع ذلك الشرخ الكبير باختلاق الكيان الموازي
قد يقول بعض الرعاع “إن الكيان الموازي خلف هذه الأحداث…”، لكنهم أنفسهم لا يصدقون تلك الأكاذيب، إلا أنهم يحاولون التستر على مساوئهم، ولكن تلك الرقعة لن تستر شرخهم، إنهم يضيعون وقتهم بذلك دون فائدة. فشرخهم كبير وهذه الرقعة لا تكفي لذلك”. ولو أني سألتكم فكلكم سترفعون أيديكم تأييداً لكلامي، فوالله لا تكفي لذلك، وبالله لا تكفي لذلك، وهذا راسخ في الأدمغة والخلايا العصبية، وإنكم حتى لو سترتم ذلك فإن التاريخ سيسطِّره صفحةً صفحة بسطور سوداء في المستقبل، وسيكتب بأقلام سوداء. فإن كنتم في الدنيا فسيصفعكم وإن كنتم في الآخرة فسيتحول إلى سياط الزبانية لتجلد رؤوسكم. فوالله إن هذه الرقعة لا تغطي ذلك الشرخ.
وإن أحداث الشغب أُسندت إلى حركة الخدمة، وهذا محض افتراء وغيبة وحقد لا نجده حتى عند الكفار، فهذا السلوك الخبيث ليس له مثيل لدى أحد ممن ينتسبون إلى أديان وثقافات مختلفة في جميع أنحاء العالم. ولا تليق مثل هذه الشناعة والدناءة بأناس يدعون الالتزام بالدين والمبادئ الشعبية وقيمنا الروحية. ولكن لا بأس.
سأقول لكم شيئا.. سامحوهم، سامحوا ذوي العقول الطفولية، وأصحاب العقول الضعيفة الذين فقدوا توازنهم، لتنتقلوا إلى الآخرة ولكم حقوق في ذمم الآخرين، لتبدوا شجاعتكم هناك، فإن الله سيجمعكم بهم، وسيعرض عليكم المظالم واحدة واحدة. ويجب أن نكون شجعانًا لنقول حينها: “يا ربنا، إننا نعرض عن هذه المظالم. وأظن أن هذا الكلام دخل من إحدى الأذنين وخرج من الأخرى. فيا أرحم الراحمين أنت الذي قلتَ: (إن رحمتي سبقت غضبي)، فهلا أدخلتهم جنات الفردوس برحمتك الإلهية”.
إنهم إخواننا، ويجب أن نبذل قصارى جهودنا للصلح
إذا رحلتم إلى الآخرة ولكم حقوق في ذمم الآخرين فستملكون الشجاعة لقول ذلك. فكونوا دومًا أصحاب حقوق ولا تنتظروا الأخذ. فعليكم تقديم أجل الخدمات للناس في مختلف نواحي جنوب شرق الأناضول كما تقدمون الخدمات اليوم. فهم إخواننا منذ ألف سنة. كنا معًا في حرب جناق قلعة، وحرب الاستقلال، ومجاهدة الفرنسيين حينما احتلوا جنوب شرق الأناضول. فهم إخواننا وليسوا غرباء. ولستُ أقول هذا الكلام مجاملةً فهم فعلاً إخواننا. وعليكم أن تكونوا على أهبة الاستعداد للتفاني في خدمتهم والانصياع لأوامرهم دون انتظار الحصول على ما يقابل تلك الخدمات، فأهم ميزة لخدماتنا عدم انتظار مقابل وروح التضحية ونذر النفس للخدمة، والانصياع التام للعمل. فنحن لا نكون عبيدًا للسلاطين بل نكون عبيدًا لخدمتنا.
فما الذي بإمكاننا فعله من أجل الصلح والتفاهم والاتفاق؟ نحن لا نملك الصلاحية في هذا الموضوع لأن زمام الأمور بأيدي الآخرين. إلا أنه يجب علينا بذل قصارى جهودنا بوصفنا حركة مدنية أو حركة خدمية أو مجتمع مدني. فعليكم تطبيق كل ما يمكنكم فعله، وأن تنفقوا ما في وسعكم وأن تنفذوا كل أفكاركم البنَّاءة في هذا المجال، لتحظوا بمحبة أولئك البشر. وأن تعبروا عن أخوَّتكم اليوم كما عبرتم عنها بالأمس.
يجب أن لا يضحى بالأخوَّة المستمرة منذ ألف سنة من أجل الأهواء والرغبات
يجب ألا نضحي بالأخوة المتوارثة منذ ألف سنة من أجل بعض الأهواء والرغبات والغايات التي لا تنتهي. وعليكم أن تبذلوا كل جهودكم لتطوير المجال التربوي ولكسب قلوبهم. وحتى لو مُنعتم من تقديم المساعدات عليكم الذهاب إلى هذه المنطقة فرداً فرداً وأن تنفقوا أموالكم عليهم، فلا أحد يمكنه أن يمنعكم من ذلك. قد يمنعونكم من جمع المساعدات وفتح الحسابات المصرفية لأنكم تفعلون ما لايستطيعون فعله، ولأنهم يرون أنفسهم أولى بالحصول على محبة الناس. وهم لا يحتملون فعلكم للخير، ولا يملكون أنزيمات تساعدهم على هضم مثل هذه الأشياء. ولسان حالهم يقول: “نحن لا نفعل الخير ولا نسمح لكم بفعل الخير”. وأظن أنه لو تيسَّر لكم فتح إسطنبول لذهبوا إلى قسطنطين حاكم القسطنطينية وقالوا له: “سدوا الطريق عليهم ولا تتركوا لهم فرصة فإنهم من الكيان الموازي” لما يحملونه من أفكار كهذه ومنطق كهذا. إن هذا الطمع وهذا الحقد وهذا النفور تفاقم إلى درجة أنه يحول دون دخول الجنة.
لا تكترثوا بكل ذلك. ولا تتأثروا بما يفعلونه، ولا تتوانوا عن تقديم خدماتكم بسبب أعمالهم. بل أنفقوا أموالكم بكل نشاط وتضحية. بل ضحوا براحتكم لراحتهم، وامنحوهم حياتكم، وضحوا بها لأجلهم. فإن فعلتم ذلك “ألن يحبك الله إن أحببته” (محمد لطفي من كبار المتصوفة). ألن يفتحوا قلوبهم إن فتحتَ لهم قلبك، إن أحببتهم فهل سيقابلونك بالحقد والنفور؟
نعم عليك بالمعاملة الإنسانية وأن تنتظر الوحدة والتعاون والسلام، وأن تشجع على ذلك وتسعى إليه، وتبذل قصارى جهدك لتحقيق ذلك. لعل الذين يمارسون الشغب في الأزقة ويحرقون ممتلكات الناس يهتدون في يوم من الأيام. لأنهم يصبون جام غضبهم على الدولة أو على شخص ما، ثم يبدأون بحرق محلات تجارية لأناس أبرياء، ويحرقون السيارات ويخربون البنوك، ويداهمون المدارس والمعاهد، ويسرقون ما فيها. وهذه التصرفات لا علاقة لها بالدين ولا بالإنسانية. وقد تكون نتيجة تحريض البعض أو تابعة لأجندات خارجية، أو لأجهزة استخباراتية دولية. ويومًا ما سيدرك الناس أنهم كانوا مخدوعين، وأنهم سيقفون بين يدي الله ليحاسبوا على الأضرار التي ألحقوها بممتلكات العامة. وسيعون ما فعلوا من إلحاق الأضرار بممتلكات الشعب. وسيندمون كثيرًا. وكما قال ضياء باشا “لقد تضررنا كثيرًا في هذه الفتن، ولا أدري ما الذي استفدناه؟ وسيقولون يومًا ما هذه المقولة لأنهم أيضًا بشر. ولكن كما ترون الأزقة أصبحت ميدانًا للمعارك، وكأن الصليبيين يحتلونها، وفوق ذلك ثمة عدم إحساس بالمسؤولية إزاء هذه الأحداث. وليس هناك ردة فعل أو اكتراث، وكأنهم موتى. ولا تزال هناك محاولة لإلصاق هذا الجرم وهذه المساوئ بالآخرين، وهم غافلون إذ يظنون أنهم سينسلون من تلك المشاكل (الفساد).
داعش شبكةُ شرٍّ تشوِّه صورة الإسلام
إن محاولة حل المشاكل الدولية دون حل هذه المشكلة تُعدُّ خداعًا لذاتنا. فما إن تنتهوا من إحدى الفتن حتى تظهر فتنة غيرها، فهناك مصدر فتن وفساد بديلة جاهزة للظهور. ففي الأمس كانوا يقولون “القاعدة”. فمن أين خرجت داعش اليوم؟ وكيف كبرت وتعاظمت بشكل فوري؟ ومن هم الذين يغذونها؟ فكلهم جلادون سفاكون للدماء. حفظنا الله من هذه الفتن التي لسان حالها الخدَّاع يقول: “اقطع رأس من تراه أمامك تدخل الجنة مباشرة”. فصورة الإسلام البراقة تسودّ بسبب هؤلاء من ذوي الأفكار السوداء. وبالتالي أصبح الناس يخافون الإسلام ويبتعدون عنه.
على أن حل هذه المشاكل مرهون بحل المشاكل في ذهنك، وبإخلاصك، وبعدم العيش من أجل نفسك، وعدم رؤية أطفالك، وبالهجرة، وبالذهاب إلى بيوت المحتاجين، فأهل الحقيقة الراغبين بالوصول إليها يبحثون عنها فيجدون نبع الحقيقة العذب المورود. ويجب الذهاب إلى الذين لا يرون الحقيقة لتنبيههم لأنهم لا يدركون ذلك، فسواء كان اسمها داعش أو عفريت أو أيًا كان فهي بلامقياس ولا نظام، ولا مبدأ لها. فداعش تنظيم تغذيه أطراف مختلفة وتدعمه بالسلاح، ويتلقى التعليمات من دول مختلفة ويتدربون فيها، ويأتيه أناس من كل مكان ليشكلوا شرذمة شرٍّ في أقدس الأماكن التي يداوى فيها الناس. وهم يعيشون حياة كالقرامطة والحشاشيين (أردوغان قد وصف حركة الخدمة سابقا بالحشاشيين من أجل تشويهها)، ويعيشون كقطاع الطرق. ولكنهم لا يصفونهم بذلك. نعم، وهل تعلمون ما كنت سأقوله فيهم لو أن أخلاقي تسمح لي؟ تبًا لهذا الفهم.
فإن أفلس المنطق إلى هذا الحد، أظن أن أصغر المشاكل تصبح غير قابلة للحل ناهيك عن المشاكل الكبيرة. أسأل الله أن يمنحكم القوة والإرادة. وأن يعينكم جميعًا على السير في هذا الطريق لأداء حق إرادتكم عليكم وأن يجعلكم جميعا مستنفرين في هذا الطريق. لا تفكروا في أنفسكم. سارعوا إلى الخدمة كما فعل الطلاب الذين رموا عمائمهم وذهبوا إلى حرب جناق قلعة وهم في الـ15-16 من العمر، بإذن الله تعالى، عليكم ألا تتراجعوا عن هذه الوظيفة المطلوب القيام بها بسبب أن أحداً يقف ضدكم أو يعمل على إيذائكم. فذلك واجبكم.
ولو أنه يجوز التوقف عن وظيفة خدمة بسبب انقلاب الأحداث ضدنا وازدياد شدتها لتوقف الأنبياء العظماء منها. فقد تعرض النبي محمد (ص) لمختلف أنواع الأذى واستشهد أقرب الناس إليه في الصحراء حيث وضعت عليهم حجارة أثقل من أوزانهم، ومنهم من ثُقِّبت أجسادهم بالرماح. ولكنه أصر على موقفه بإذن الله وعنايته.
إن الرسول (ص) تعرض لمختلف أنواع المصائب في حياته إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى. فقد أوذي من قبل المشركين والملحدين وعباد الأصنام وعباد مناة وعباد اللات وعباد العُزَّى …إلخ. هذا بالإضافة إلى المنافقين الذين كانوا حوله، وكان الكفاح معهم أصعب شيء، لأنهم كانوا يأتون المساجد، ويذبحون الأضاحي، ويشتركون في الحروب من أجل الغنائم إذا توقعوا النصر. فكيف لكم ألا تنخدعوا؟ ففخر الإنسانية، النبي محمد (ص)، لم يُخدع قطّ بهم. ولكنه قال (ص) عند قتل من قال أشهد أن لا إله إلا الله: “هل شققت عن قلبه”. ولم يتوانَ قطُّ عن مواجهة المشاكل، فقدم وصفات عقلانية، مبنية على المبادئ الأساسية للقرآن الكريم، وحلَّ أعقد المشاكل.
واجهوا الفوضى ولكن دون أن تسلكوا أسلوبًا فوضويًا، وتردوا بالمثل، وتقتلوا وتظلموا، وتلجأوا إلى السيف. بل من خلال كسب القلوب والأفئدة. وحاولوا جمع قطع الثريا التي تناثرت، وسدوا ثغراتها لتكون مشعلاً تضعونه تاجًا على رؤوسكم.