رسائل جديدة من الأستاذ كولن إلى المتطوعين في حركة الخدمة
نشر موقع “herkul.org” على شبكة الإنترنت درساً جديداً ألقاه الأستاذ فتح الله كولن على محبيه وزائريه، حمل عنوان “سقوط الأقنعة والقرارات القراقوشية الظالمة” وتناول فيه التطورات الأخيرة التي شهدتها تركيا في الفترة الأخيرة، وتضمن رسائل مبشرة ومنذرة ومهمة للغاية كالمعتاد.
وفيما يلي مقتطفات من درس الأستاذ كولن:
إن بَعد كل عسر يسراً، لكن علينا أن نتحمل فترة العسر حتى نصل إلى اليسر. “بقدر الكد تكتسب المعالي” … حتى يمكن أن نقول إنه كلما كانت المعاناة شديدة وصعبة “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً” (الشرح – 5). وانطلاقًا من هذه الحقيقة، فإن كل يسر يأتي بعد عسر، يكون بالعمق والبعد نفسه، بإذن الله وحوله. ويمنح الإنسان انشرحًا لدرجة أنه ينسى كل الصعاب التي واجهها قبل ذلك، كالأم التي ولدت طفلها، ويقول “يا لها من نعمة عظيمة أنعم الله بها عليّ” ويحثّ الناس على قولها.
• يوجد أصحاب الكهف والظالمون من أمثال دقيانوس في كل زمان!..
إذا فكرنا في الصعاب التي عاشها المؤمنون فيما مضى، نجد أنه ينبغي لنا أن لا نصف ما يعيشه المؤمنون اليوم بالمعاناة. فكِّروا في أصحاب الكهف على سبيل المثال. فهؤلاء الأشخاص صبروا وتحملوا العذاب الذي سامهم إياه الإمبراطور الروماني دقيانوس..
ولا شك أن كل زمان سيشهد ظهور شخصيات جديدة من أمثال الإمبراطور الظالم دقيانوس. وإذا كنتم لا تشاطرون هؤلاء الظالمين الشيء نفسه في المعتقد والفكر والرؤية العالمية وفلسفة الحياة، ولا تبايعونهم؛ فلا ريب أن أهل النفاق، الذين بدّلوا طريقهم وطريقتهم ودينهم ثلاث مرات في غضون عدة أشهر، سيحيطونكم بالمصائب من كل جانب.
• الظالمون من أمثال الإمبراطور دقيانوس، الذي كان عميل دولة روما في منطقة الشرق الأوسط، موجودون في كل زمان! لكن تيقَّنوا أنكم لا تواجهون عُشر المصاعب التي واجهها أنبياء الله موسى وعيسى وزكريا ويحيى ونوح ولوط ومحمد عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام.
لقد فعلوا ما يجب عليهم وأدوا الأمانة وبلغوا الرسالة، وتركوا ورائهم عهداً ذهبياً ووردياً. نثروا البذور في الأراضي البكر، وبوعي وإخلاص وصدق حقيقي وروح الإيثار، أي دون أن يفكروا في شيء من أجل أنفسهم، نثروا البذور بفلسفة الحياة من أجل الآخرين، أو إحياء الآخرين، ثم انصرفوا. قالوا “لننثر نحن البذور، وحتى لنحرث الأرض إن لزم الأمر! ولا يهمُّنا من سيحصد المزروع ويستفيد منه!”. هكذا فكروا، هكذا عاشوا، وهكذا تركوا خلفهم إرثًا ثم ذهبوا.
• إذا كان هناك مصيبة، فالمبشرات تتوالى أيضًا
بالارتباط القلبي بالقرآن الكريم والوعي التاريخي وجذور الروح والمعنى، منحنا الله إمكانية تقديم فلسفة حياة تفوق المثاليات في العالم، وكذلك إمكانية الانتشار في كل ربوع العالم من أجل تحقيق هذه الغاية.
أوليس من الطبيعي أن نواجه بعض المصاعب في مقابل الخدمات والتوفيق الذي ألهمنا الله إياه وثناءِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ألف مرة. ولا أبالغ في ذلك.. فهو يتمثل في رؤى بعض الأشخاص، ويقول: “أنا راضٍ عنكم وعن ما تفعلونه. صابروا ورابطوا في المكان الذي تقفون فيه!”.
وبعض الناس عندما لا تكون الرؤى خاصة بهم، يطعنون في صحتها قائلين “بعض الأشخاص يعملون وفق الرؤى”. بيد أن نبينا عليه الصلاة والسلام يقول “لم يبق من النبوة إلا المبشرات” قالوا وما المبشرات قال “الرؤيا الصالحة”.
وعندما تنغلق العيون على عالم الشهادة، تبدأ الانفتاحات على عالمي المثال والبرزخ. وتنتقل في عملية الانفتاح هذه لوحاتٌ وصور ورسومات مختلفة كرموز لحوادث محددة. ولقد ألف العالم ابن سيرين مجلدات حول “التعبيرات”، وهناك ترجمات لهذه المجلدات اطلعتم عليها جميعًا.
فإذا كان العمل الذي تقومون به يرضي الله ورسوله، وإذا كنتم تتعرضون لمضايقات من بعض الأشخاص الذين غيروا طريقهم ومواقفهم ثلاث مرات في شهرين أو ثلاثة أشهر مثل “المذبذبين”، وتصرفوا وفق إملاءات نفوسهم وقالوا “أين يمكن أن أكون لأجني المزيد من المصالح؟!”، وأولئك الذين ربطوا حياتهم كلها بالمنافع الدنيوية؛ فعليكم أن تعتبروا ذلك منحة من الله عزّ وجلّ لكم.
وثقوا في هذا العبد الفقير حين يقول: “إن الله يحبكم، ولذلك يختبركم بهذه الأشياء مع من اعتبرتموهم أقربَ الناس إليكم”. ذلك أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يقول “يُبتلى المرء على قدر دينه”. ويقول في حديث نبوي آخر “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل”.
وإذا كانت ثمة بشائر في هذا الإطار، فأرى أنه لا يجب علينا الالتفات إلى المصائب التي تكون من نوعية لدغة البعوض. فربما يهددوننا بالقتل، أو يحاولون تشكيل قناعة مغلوطة عنا، أو إخافتنا، أو إرهابنا، أو تعذيب بعضنا، فهذه أمور واردة.
وما أجمل ما قاله ملا جامي: “يا رسول الله! ماذا لو دخلت الجنة بين أصحابك ككلب أصحاب الكهف، فهل من الجدارة أن يدخل كلب أصحاب الكهف الجنة وأدخل أنا جهنم؟ فهو كلب أصحاب الكهف، وأنا كلب أصحابك!..” ولقد اعتبر جميع العظماء أنفسهم “قطمير” كلب أصحاب الكهف، فهل يعظم علينا أن نعتبر أنفسنا نحن أيضًا كذلك؟
• سنحت لكم فرصة التعرف إلى أشخاص يبيعون أنفسهم ومبادئهم في سبيل الحصول على بضعة ملايين من الأموال والإكراميات!
إن لما نشهده ونتعرض له اليوم جوانب عديدة تُعتبر نعماً وإكراماتٍ ينزلها الله علينا في مظاهر مختلفة للأحداث مثل الأطوال الموجية المختلفة. وتتمخض عنها نتائج إيجابية بحيث لا يمكن توقعها.
وسأحاول الكشف عن بعضها فقط: إن اليوم الذي يتبين فيه المؤمن الحق من المنافق هو يوم العيد بالنسبة لنا! وبفضل هذه الوقائع التي شهدتموها مؤخراً سنحت لكم فرصة التعرف إلى أشخاص يحجزون بيتًا في مواجهة تضييق صغير. وتمكنتم من رؤية كيف يباع بعض الناس في مقابل حفنة من الأموال، وعرفتم السعر الحقيقي لهؤلاء الأشخاص. ورأيتم كيف أن هؤلاء يتقلبون ويغيرون ألوانهم ومواقفهم في الأوقات الصعبة.
وهذا يعتبر فضلًا كبيراً من الله لكم، إذ أدركتم بذلك أنكم لن تستطيعوا السير في طريق هذه الدعوة الكبيرة والرسالة العظيمة برفقة أمثال هؤلاء المتأخرين المتساقطين في الطريق، مع أنه يجب عليكم إبداء حسن الظن بهم، ولكن لا تعتمدوا عليهم أبداً. وكأن الله تعالى قال من خلال هذه الأحداث “لا تنسوا هذه الحقيقة لحظة وتزودوا بالشكل الذي ينبغي، حتى يمكنكم تجاوز مفاوز قفار سحيقة ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة”.
سنحت لكم فرصة التعرف إلى كثير من الناس، لم أكن أتوقع ذلك! وجدت أن هناك مَن يباع بمليون، وآخر بملونين، وثالث بثلاثة ملايين، ورابع بأربعة ملايين، وخامس بخمسة ملايين، وهكذا. وأرى أن معرفة هؤلاء هو نعمة من الله وفضل… وفي المستقبل ستفتحون أحضانكم لهؤلاء، وتحسنون الظن بهم، وتتصدقون عليهم بالبسمات.
لكن هذا الطريق طويل، تعترض أمامكم مفاوز قفار سحيقة ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، ويجب عليكم التغلب عليها. ولقد أظهر الله شخصياتهم الحقيقية بكل ما تحمله من خصائص ليقول لكم “احذروهم!”، وذلك لتتيقنوا من أنكم لن تستطيعوا عبور هذا الطريق بصحبتهم، وأنهم لن يستطيعوا مرافقتكم في رحلتكم تلك. فقد كشف الله الستار عن أمثال ابن سلول وأتباعه البالغ عددهم نحو 300 شخصاً.
لقد حصلتم على إمكانية معرفة المذبذبين بين هذا وذاك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ومعرفةِ مع مَن ستستطيعون السير في هذا الطريق الطويل. صدقوني لو أنكم كنتم قد دفعتم تريليون دولار لما كانت قد سنحت لكم فرصة معرفة هؤلاء الناس. ولقد منّ الله عليكم أن جعلكم تعرفون الكثير من الأشخاص على حقيقتهم بكل ما يحملونه بداخلهم من كراهية وحقد دفينين.
وبفضل هذه المنّة ضمنتم أمن الطريق الذي تسيرون فيه. وقد وفقكم الله إلى معرفة من يستطيع أن يسير معكم في هذا الطريق الطويل في سبيل ضمان أمن هذا الطريق. ولم يحدث هذا بالمعلومات النظرية، بل بطريقة عملية شاهدنها جميعًا من خلال الأحداث. وإذا منحكم الله هذه النعمة، فلا تترددوا في أخذها لا لتضعوها في جيوبكم، بل في خلايا قلوبكم العصبية حتى لا تنخدعوا مرة أخرى بأمثال هؤلاء الناس الذين يظهرون الحق ويبطنون الباطل.
• لم نكن كيانًا موازيًا أبدًا، عشنا دومًا من أجل تركيا ورسالتنا!
يوجد أشخاص مظلومون ومعتقلون ويخضعون – في الوقت نفسه – للتحقيق. ليساعدهم الله، وسيساعدهم!
قلت في محاضراتي السابقة: إن نِسبة الكيان الموازي لنا غير شرعية كولد الزنا. ليس هناك ما يسمى الدولة الموازية كما يروجون. وقلت: ليبتلي الله من كان كيانًا موازيًا ببلاء من عنده بأريحية تامة. هل أنتم تشعرون بالقلق حين أقول ذلك؟ لا؛ لأنكم تعرفون الحقيقة بصورتها الكاملة والواضحة، لذلك لا تخافون من مثل هذه المباهلة.
أليس كذلك؟ وعلى عكس ما يزعمون، فإنكم أكسبتم دولتكم وشعبكم وحكومتكم اعتبارًا وسمعة طيبة على المستوى العالمي، ولم تكونوا كيانًا موازيًا في يوم من الأيام. ولقد اعتبر الأشخاص العقلاء، مثل السيد سليمان دميرال (رئيس الجمهورية الأسبق) في البداية، ثم السيد تورغوت أوزال (رئيس الجمهورية الأسبق أيضاً) وحتى السيد مسعود يلماز (رئيس الوزراء الأسبق)، أن الوقوف إلى جانب حركة الخدمة يحمل أهمية كبيرة جدًا من أجل ازدهار تركيا والتعريف بها في شتى بقاع المعمورة.
إنكم (أي رجال الدولة الذين يحكمون في بلدكم) لا تستطيعون مواجهة مشكلة أحادية الجبهة. فتراق الدماء منذ 40 عامًا (بسبب الإرهاب المتمثل بشكل أساسي في حزب العمال الكردستاني) ونسعى بشتى الطرق لإقناعهم بالتخلي عن السلاح، فلم نفلح في ذلك، ثم بدأنا نقدم تنازلات، فلم ينفع. ندخل في مفاوضات ومساومات بعد أن نضع كرامتنا وشرفنا أسفل الأقدام، ونقدم لهم الوعود.
فلم نستطع أن نظهر القدرة التي تمكننا من حل مشكلة في جبهة واحدة فقط. فكروا في الدولة العثمانية التي كانت تحكم 250 مليون نسمة، منهم النصارى واليهود والأرمن وغيرهم. كلهم بشر، وينبغي لكل مؤمن أن يحترم كل إنسان، بغض النظر عن دينه أو عرقه، لأنه إما أخ في الدين أو نظير في الإنسانية، لأنه خلق من قبل الله تعالى في أحسن تقويم من حيث الصورة المادية والسيرة المعنوية. فالإيمان مسألة مستقلة تستلزم حبًا واهتمامًا أكثر عمقًا وبعدًا بطريقكم وطريقتكم ومنهجكم في الحياة. لكن ذلك لا يستوجب معاداة الآخرين، واعتبارهم في جبهة معادية، وازدرائهم، وإضعافهم، ومناهضتهم بشتى الطرق والأساليب.
لقد تعاون سكان الأناضول مع جميع إخوانهم من الأكراد والأتراك والظاظا واللازيين والشراكسة والأبخازيين والبوشناق والمقدونيين والألبانيين، وساندوا جميعًا المدارس التركية المنتشرة في 160 بلدًا حول العالم. يجتمعون جميعًا حول قواسم مشتركة، بحيث لا يمكن السؤال عن منطقية هذا الأمر مطلقًا. ولم نتلقَّ أي شكاوى حول هؤلاء الأصدقاء من البلدان التي ذهبوا وهاجروا إليها.
ذهب بعضهم بعدما أنهى دراسته الجامعية حديثًا، والبعض الآخر ذهب وهو لا يزال طالبًا، ليعملوا كمرشدين للتلاميذ والطلاب. ولم يكن لدى هؤلاء الأشخاص أي تجارب أو خبرات سابقة في الحياة. ولم يخضعوا لعملية إعادة تأهيل. ولم يعطَوا ندوة. ما يعني أن أرواحهم كان بها نقاء وحب واهتمام للبشرية جمعاء؛ إذ لم يشعر سكان هذه البلدان بأنهم غرباء عنهم. تعاملوا بإنسانية، وهو ما يشير إلى أن روح الإسلام العميقة ورحبة الأفق قد وجدت لنفسها مكانًا محفوظًا في أرواحهم.
وكان إكرام وإنعام الله هو الجانب الثاني والأهم في هذا التوفيق. ولقد وضع الله وداً وحبًا عميقًا في القلوب من أجلهم. كما بشر بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا).
• لو اجتمعت شياطين الدنيا كلها لما استطاعت أن تثني صاحب الرسالة عن طريقه!
إن الأشخاص المنحدرين من الأناضول، بجميع أطيافهم، يفتتحون مدارس في أكثر من 160 دولة حول العالم. يعملون عمل السفراء، ويمهّدون أرضية لصالح تطور العلاقات التجارية، ويعرّفون بتركيا لأهل هذه البلدان. ويخرج أحدهم علينا ويشكو هذه المدارس ويدعوا هذه البلدان إلى إغلاقها. ولا يكتفون بقول هذا بألسنتهم. فعلى سبيل المثال، تقدموا بثماني طلبات إلى السلطات الروسية خلال مدة شهر أو شهرين من أجل إغلاق هذه المدارس. يحملون حقدًا وعداوة في قلوبهم لدرجة أنهم يلجؤون إلى عشرين طريقة مختلفة لتحقيق هذه الغاية الدنيئة وإثناء الناس عن هذا الطريق النبوي.
لكن يجب ألا تُحدث كل هذه الأحداث أي هزة في أنفسكم. فنحن سنفعل أي شيء من أجل أن نكمل هذا العمل الذي بدأناه، ومستعدون للاشتغال بالحدادة أو تلميع الأحذية في الأسواق أو أي شيء آخر يخطر على بالكم في سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة بإذن الله. ولن تستطيع جميع شياطين الدنيا أن تمنع إنجاز أمر يدعمه الله إلا بإذنه.
ومن هذا المنطلق، إن هددوا أمن طريق المؤمنين بأشياء غير منطقية، وكأنهم يلقون بهذا الطريق في التهلكة، ينبغي لنا عدم الاهتمام بهذا الأمر والتفكير على النحو التالي: ربما وهبنا الله إمكانيات كثيرة جدًا، وربما لو لم تكن هذه الإمكانيات في أيدينا وكانت في أيدي أشخاص آخرين، لفعلوا بإذن الله تعالى خمسة أضعاف ما فعلناه.
وهو ما يعني أننا لم نثمّن بعض الأشياء جيدًا، لم نستغل الإمكانيات التي وهبنا الله إياها بشكل مثمر من حيث الزمان والمكان والإمكان والبيئة. ولهذا قدّر الله أن يشعل في أنفسنا وقلوبنا جذوة ووهجاً روحيا من جديد: انتبهوا أكثر! وكونوا كالبنيان المرصوص! وتساندوا مثل تشابك الأصابع! وحاولوا ألا تنفصلوا عن بعضكم البعض مهما كانت الظروف سيئة! والتزموا الطريق الذي ترون معالمه حدِّد في إطار الكتاب والسنة!
إذا كان الطريق الذي تسيرون فيه صحيحًا، فإذا ارتددْتم فسيصفكم التاريخ بالمرتدين المنافقين المذبذبين. أسأل الله سبحانه وتعالى ألا يجعلكم كذلك أبدًا. وأنا أراكم جميعًا أشخاصًا أصحاب وجوه سمحة نقية مصدر إلهام للآخرين. وإن شاء الله تحافظون على خصائصكم هذه وتكملون المسير في طريقكم المبارك بإذن الله وحوله.
• “الكيان الموازي” مطية وذريعة، فالقضية عبارة عن قرارات قراقوشية ظالمة
هناك أشخاص ظُلموا وسُجنوا واستجوبوا. وهل هذه محاكمة عادلة أن يكون القاضي صاحب الدعوى والأمني هو الشاهد؟! وأصبحنا نشهد فضائح متزايدة ومتضاعفة كل يوم في هذه القضية.
أطلق أسلافنا وصف “الأحكام القراقوشية” على القرارات التي لا يمكن توضيحها بالعقل والمنطق أو التي تصدر عن طريق الغضب أو المحاباة. وقد انتقل هذا التعبير من جيل إلى جيل وكأنه طرفة. وكان من بين هذه الحكايات ما يلي:
يذهب أقارب أحد اللصوص إلى القاضي قراقوش ويشكون إليه صاحب المنزل الذي سرقه قربيهم، ويقولون: “يا سيدي القاضي! لقد وضعوا طلاءً كثيفًا على نافذة المنزل حتى أصبحت ملساء تمامًا، مما أدى إلى سقوط قريبنا وهو يهرب من النافذة حتى كُسرت أو شُلّت ذراعه!”. فيستدعي القاضي صاحب المنزل لاستجوابه، فيقول الرجل “سيدي القاضي، لقد كلّفت أحد النقّاشين بطلاء النافذة، وقد استخدم الكثير من الدهان، والذنب ذنبه وليس ذنبي!”، فينجح في النجاة بنفسه من التهمة.
وعندما لا يجد النقّاش أي حجة يدافع بها عن نفسه، يصدر قراقوش حكمًا بإعدامه. فيبادر الحرّاس إلى اقتياده إلى غرفة الإعدام. بيد أنهم لا يستطيعون إعدامه لطول قامته وقصر منصة الإعدام. وعندما ينقل الحرّاس هذا الخبر إلى القاضي قراقوش، يقول لهم “اذهبوا وابحثوا عن نقّاشٍ قامته أقصر من هذا النقّاش، ونفّذوا عليه حكم الإعدام!”.
إن هذه الواقعة تجسّد تمامًا الوضع المؤلم الذي يعيشه الأشخاص المتعقلون والمستجوبون بحجة انتمائهم إلى “الكيان الموازي” ظلمًا وزورًا. فالمسألة ليست إلا عبارة عن قرارات قراقوشية ظالمة.
نشر موقع “herkul.org” على شبكة الإنترنت درساً جديداً ألقاه الأستاذ فتح الله كولن على محبيه وزائريه، حمل عنوان “سقوط الأقنعة والقرارات القراقوشية الظالمة” وتناول فيه التطورات الأخيرة التي شهدتها تركيا في الفترة الأخيرة، وتضمن رسائل مبشرة ومنذرة ومهمة للغاية كالمعتاد.
وفيما يلي مقتطفات من درس الأستاذ كولن:
إن بَعد كل عسر يسراً، لكن علينا أن نتحمل فترة العسر حتى نصل إلى اليسر. “بقدر الكد تكتسب المعالي” … حتى يمكن أن نقول إنه كلما كانت المعاناة شديدة وصعبة “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً” (الشرح – 5). وانطلاقًا من هذه الحقيقة، فإن كل يسر يأتي بعد عسر، يكون بالعمق والبعد نفسه، بإذن الله وحوله. ويمنح الإنسان انشرحًا لدرجة أنه ينسى كل الصعاب التي واجهها قبل ذلك، كالأم التي ولدت طفلها، ويقول “يا لها من نعمة عظيمة أنعم الله بها عليّ” ويحثّ الناس على قولها.
• يوجد أصحاب الكهف والظالمون من أمثال دقيانوس في كل زمان!..
إذا فكرنا في الصعاب التي عاشها المؤمنون فيما مضى، نجد أنه ينبغي لنا أن لا نصف ما يعيشه المؤمنون اليوم بالمعاناة. فكِّروا في أصحاب الكهف على سبيل المثال. فهؤلاء الأشخاص صبروا وتحملوا العذاب الذي سامهم إياه الإمبراطور الروماني دقيانوس..
ولا شك أن كل زمان سيشهد ظهور شخصيات جديدة من أمثال الإمبراطور الظالم دقيانوس. وإذا كنتم لا تشاطرون هؤلاء الظالمين الشيء نفسه في المعتقد والفكر والرؤية العالمية وفلسفة الحياة، ولا تبايعونهم؛ فلا ريب أن أهل النفاق، الذين بدّلوا طريقهم وطريقتهم ودينهم ثلاث مرات في غضون عدة أشهر، سيحيطونكم بالمصائب من كل جانب.
• الظالمون من أمثال الإمبراطور دقيانوس، الذي كان عميل دولة روما في منطقة الشرق الأوسط، موجودون في كل زمان! لكن تيقَّنوا أنكم لا تواجهون عُشر المصاعب التي واجهها أنبياء الله موسى وعيسى وزكريا ويحيى ونوح ولوط ومحمد عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام.
لقد فعلوا ما يجب عليهم وأدوا الأمانة وبلغوا الرسالة، وتركوا ورائهم عهداً ذهبياً ووردياً. نثروا البذور في الأراضي البكر، وبوعي وإخلاص وصدق حقيقي وروح الإيثار، أي دون أن يفكروا في شيء من أجل أنفسهم، نثروا البذور بفلسفة الحياة من أجل الآخرين، أو إحياء الآخرين، ثم انصرفوا. قالوا “لننثر نحن البذور، وحتى لنحرث الأرض إن لزم الأمر! ولا يهمُّنا من سيحصد المزروع ويستفيد منه!”. هكذا فكروا، هكذا عاشوا، وهكذا تركوا خلفهم إرثًا ثم ذهبوا.
• إذا كان هناك مصيبة، فالمبشرات تتوالى أيضًا
بالارتباط القلبي بالقرآن الكريم والوعي التاريخي وجذور الروح والمعنى، منحنا الله إمكانية تقديم فلسفة حياة تفوق المثاليات في العالم، وكذلك إمكانية الانتشار في كل ربوع العالم من أجل تحقيق هذه الغاية.
أوليس من الطبيعي أن نواجه بعض المصاعب في مقابل الخدمات والتوفيق الذي ألهمنا الله إياه وثناءِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ألف مرة. ولا أبالغ في ذلك.. فهو يتمثل في رؤى بعض الأشخاص، ويقول: “أنا راضٍ عنكم وعن ما تفعلونه. صابروا ورابطوا في المكان الذي تقفون فيه!”.
وبعض الناس عندما لا تكون الرؤى خاصة بهم، يطعنون في صحتها قائلين “بعض الأشخاص يعملون وفق الرؤى”. بيد أن نبينا عليه الصلاة والسلام يقول “لم يبق من النبوة إلا المبشرات” قالوا وما المبشرات قال “الرؤيا الصالحة”.
وعندما تنغلق العيون على عالم الشهادة، تبدأ الانفتاحات على عالمي المثال والبرزخ. وتنتقل في عملية الانفتاح هذه لوحاتٌ وصور ورسومات مختلفة كرموز لحوادث محددة. ولقد ألف العالم ابن سيرين مجلدات حول “التعبيرات”، وهناك ترجمات لهذه المجلدات اطلعتم عليها جميعًا.
فإذا كان العمل الذي تقومون به يرضي الله ورسوله، وإذا كنتم تتعرضون لمضايقات من بعض الأشخاص الذين غيروا طريقهم ومواقفهم ثلاث مرات في شهرين أو ثلاثة أشهر مثل “المذبذبين”، وتصرفوا وفق إملاءات نفوسهم وقالوا “أين يمكن أن أكون لأجني المزيد من المصالح؟!”، وأولئك الذين ربطوا حياتهم كلها بالمنافع الدنيوية؛ فعليكم أن تعتبروا ذلك منحة من الله عزّ وجلّ لكم.
وثقوا في هذا العبد الفقير حين يقول: “إن الله يحبكم، ولذلك يختبركم بهذه الأشياء مع من اعتبرتموهم أقربَ الناس إليكم”. ذلك أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يقول “يُبتلى المرء على قدر دينه”. ويقول في حديث نبوي آخر “أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل”.
وإذا كانت ثمة بشائر في هذا الإطار، فأرى أنه لا يجب علينا الالتفات إلى المصائب التي تكون من نوعية لدغة البعوض. فربما يهددوننا بالقتل، أو يحاولون تشكيل قناعة مغلوطة عنا، أو إخافتنا، أو إرهابنا، أو تعذيب بعضنا، فهذه أمور واردة.
وما أجمل ما قاله ملا جامي: “يا رسول الله! ماذا لو دخلت الجنة بين أصحابك ككلب أصحاب الكهف، فهل من الجدارة أن يدخل كلب أصحاب الكهف الجنة وأدخل أنا جهنم؟ فهو كلب أصحاب الكهف، وأنا كلب أصحابك!..” ولقد اعتبر جميع العظماء أنفسهم “قطمير” كلب أصحاب الكهف، فهل يعظم علينا أن نعتبر أنفسنا نحن أيضًا كذلك؟
• سنحت لكم فرصة التعرف إلى أشخاص يبيعون أنفسهم ومبادئهم في سبيل الحصول على بضعة ملايين من الأموال والإكراميات!
إن لما نشهده ونتعرض له اليوم جوانب عديدة تُعتبر نعماً وإكراماتٍ ينزلها الله علينا في مظاهر مختلفة للأحداث مثل الأطوال الموجية المختلفة. وتتمخض عنها نتائج إيجابية بحيث لا يمكن توقعها.
وسأحاول الكشف عن بعضها فقط: إن اليوم الذي يتبين فيه المؤمن الحق من المنافق هو يوم العيد بالنسبة لنا! وبفضل هذه الوقائع التي شهدتموها مؤخراً سنحت لكم فرصة التعرف إلى أشخاص يحجزون بيتًا في مواجهة تضييق صغير. وتمكنتم من رؤية كيف يباع بعض الناس في مقابل حفنة من الأموال، وعرفتم السعر الحقيقي لهؤلاء الأشخاص. ورأيتم كيف أن هؤلاء يتقلبون ويغيرون ألوانهم ومواقفهم في الأوقات الصعبة.
وهذا يعتبر فضلًا كبيراً من الله لكم، إذ أدركتم بذلك أنكم لن تستطيعوا السير في طريق هذه الدعوة الكبيرة والرسالة العظيمة برفقة أمثال هؤلاء المتأخرين المتساقطين في الطريق، مع أنه يجب عليكم إبداء حسن الظن بهم، ولكن لا تعتمدوا عليهم أبداً. وكأن الله تعالى قال من خلال هذه الأحداث “لا تنسوا هذه الحقيقة لحظة وتزودوا بالشكل الذي ينبغي، حتى يمكنكم تجاوز مفاوز قفار سحيقة ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة”.
سنحت لكم فرصة التعرف إلى كثير من الناس، لم أكن أتوقع ذلك! وجدت أن هناك مَن يباع بمليون، وآخر بملونين، وثالث بثلاثة ملايين، ورابع بأربعة ملايين، وخامس بخمسة ملايين، وهكذا. وأرى أن معرفة هؤلاء هو نعمة من الله وفضل… وفي المستقبل ستفتحون أحضانكم لهؤلاء، وتحسنون الظن بهم، وتتصدقون عليهم بالبسمات.
لكن هذا الطريق طويل، تعترض أمامكم مفاوز قفار سحيقة ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، ويجب عليكم التغلب عليها. ولقد أظهر الله شخصياتهم الحقيقية بكل ما تحمله من خصائص ليقول لكم “احذروهم!”، وذلك لتتيقنوا من أنكم لن تستطيعوا عبور هذا الطريق بصحبتهم، وأنهم لن يستطيعوا مرافقتكم في رحلتكم تلك. فقد كشف الله الستار عن أمثال ابن سلول وأتباعه البالغ عددهم نحو 300 شخصاً.
لقد حصلتم على إمكانية معرفة المذبذبين بين هذا وذاك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ومعرفةِ مع مَن ستستطيعون السير في هذا الطريق الطويل. صدقوني لو أنكم كنتم قد دفعتم تريليون دولار لما كانت قد سنحت لكم فرصة معرفة هؤلاء الناس. ولقد منّ الله عليكم أن جعلكم تعرفون الكثير من الأشخاص على حقيقتهم بكل ما يحملونه بداخلهم من كراهية وحقد دفينين.
وبفضل هذه المنّة ضمنتم أمن الطريق الذي تسيرون فيه. وقد وفقكم الله إلى معرفة من يستطيع أن يسير معكم في هذا الطريق الطويل في سبيل ضمان أمن هذا الطريق. ولم يحدث هذا بالمعلومات النظرية، بل بطريقة عملية شاهدنها جميعًا من خلال الأحداث. وإذا منحكم الله هذه النعمة، فلا تترددوا في أخذها لا لتضعوها في جيوبكم، بل في خلايا قلوبكم العصبية حتى لا تنخدعوا مرة أخرى بأمثال هؤلاء الناس الذين يظهرون الحق ويبطنون الباطل.
• لم نكن كيانًا موازيًا أبدًا، عشنا دومًا من أجل تركيا ورسالتنا!
يوجد أشخاص مظلومون ومعتقلون ويخضعون – في الوقت نفسه – للتحقيق. ليساعدهم الله، وسيساعدهم!
قلت في محاضراتي السابقة: إن نِسبة الكيان الموازي لنا غير شرعية كولد الزنا. ليس هناك ما يسمى الدولة الموازية كما يروجون. وقلت: ليبتلي الله من كان كيانًا موازيًا ببلاء من عنده بأريحية تامة. هل أنتم تشعرون بالقلق حين أقول ذلك؟ لا؛ لأنكم تعرفون الحقيقة بصورتها الكاملة والواضحة، لذلك لا تخافون من مثل هذه المباهلة.
أليس كذلك؟ وعلى عكس ما يزعمون، فإنكم أكسبتم دولتكم وشعبكم وحكومتكم اعتبارًا وسمعة طيبة على المستوى العالمي، ولم تكونوا كيانًا موازيًا في يوم من الأيام. ولقد اعتبر الأشخاص العقلاء، مثل السيد سليمان دميرال (رئيس الجمهورية الأسبق) في البداية، ثم السيد تورغوت أوزال (رئيس الجمهورية الأسبق أيضاً) وحتى السيد مسعود يلماز (رئيس الوزراء الأسبق)، أن الوقوف إلى جانب حركة الخدمة يحمل أهمية كبيرة جدًا من أجل ازدهار تركيا والتعريف بها في شتى بقاع المعمورة.
إنكم (أي رجال الدولة الذين يحكمون في بلدكم) لا تستطيعون مواجهة مشكلة أحادية الجبهة. فتراق الدماء منذ 40 عامًا (بسبب الإرهاب المتمثل بشكل أساسي في حزب العمال الكردستاني) ونسعى بشتى الطرق لإقناعهم بالتخلي عن السلاح، فلم نفلح في ذلك، ثم بدأنا نقدم تنازلات، فلم ينفع. ندخل في مفاوضات ومساومات بعد أن نضع كرامتنا وشرفنا أسفل الأقدام، ونقدم لهم الوعود.
فلم نستطع أن نظهر القدرة التي تمكننا من حل مشكلة في جبهة واحدة فقط. فكروا في الدولة العثمانية التي كانت تحكم 250 مليون نسمة، منهم النصارى واليهود والأرمن وغيرهم. كلهم بشر، وينبغي لكل مؤمن أن يحترم كل إنسان، بغض النظر عن دينه أو عرقه، لأنه إما أخ في الدين أو نظير في الإنسانية، لأنه خلق من قبل الله تعالى في أحسن تقويم من حيث الصورة المادية والسيرة المعنوية. فالإيمان مسألة مستقلة تستلزم حبًا واهتمامًا أكثر عمقًا وبعدًا بطريقكم وطريقتكم ومنهجكم في الحياة. لكن ذلك لا يستوجب معاداة الآخرين، واعتبارهم في جبهة معادية، وازدرائهم، وإضعافهم، ومناهضتهم بشتى الطرق والأساليب.
لقد تعاون سكان الأناضول مع جميع إخوانهم من الأكراد والأتراك والظاظا واللازيين والشراكسة والأبخازيين والبوشناق والمقدونيين والألبانيين، وساندوا جميعًا المدارس التركية المنتشرة في 160 بلدًا حول العالم. يجتمعون جميعًا حول قواسم مشتركة، بحيث لا يمكن السؤال عن منطقية هذا الأمر مطلقًا. ولم نتلقَّ أي شكاوى حول هؤلاء الأصدقاء من البلدان التي ذهبوا وهاجروا إليها.
ذهب بعضهم بعدما أنهى دراسته الجامعية حديثًا، والبعض الآخر ذهب وهو لا يزال طالبًا، ليعملوا كمرشدين للتلاميذ والطلاب. ولم يكن لدى هؤلاء الأشخاص أي تجارب أو خبرات سابقة في الحياة. ولم يخضعوا لعملية إعادة تأهيل. ولم يعطَوا ندوة. ما يعني أن أرواحهم كان بها نقاء وحب واهتمام للبشرية جمعاء؛ إذ لم يشعر سكان هذه البلدان بأنهم غرباء عنهم. تعاملوا بإنسانية، وهو ما يشير إلى أن روح الإسلام العميقة ورحبة الأفق قد وجدت لنفسها مكانًا محفوظًا في أرواحهم.
وكان إكرام وإنعام الله هو الجانب الثاني والأهم في هذا التوفيق. ولقد وضع الله وداً وحبًا عميقًا في القلوب من أجلهم. كما بشر بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا).
• لو اجتمعت شياطين الدنيا كلها لما استطاعت أن تثني صاحب الرسالة عن طريقه!
إن الأشخاص المنحدرين من الأناضول، بجميع أطيافهم، يفتتحون مدارس في أكثر من 160 دولة حول العالم. يعملون عمل السفراء، ويمهّدون أرضية لصالح تطور العلاقات التجارية، ويعرّفون بتركيا لأهل هذه البلدان. ويخرج أحدهم علينا ويشكو هذه المدارس ويدعوا هذه البلدان إلى إغلاقها. ولا يكتفون بقول هذا بألسنتهم. فعلى سبيل المثال، تقدموا بثماني طلبات إلى السلطات الروسية خلال مدة شهر أو شهرين من أجل إغلاق هذه المدارس. يحملون حقدًا وعداوة في قلوبهم لدرجة أنهم يلجؤون إلى عشرين طريقة مختلفة لتحقيق هذه الغاية الدنيئة وإثناء الناس عن هذا الطريق النبوي.
لكن يجب ألا تُحدث كل هذه الأحداث أي هزة في أنفسكم. فنحن سنفعل أي شيء من أجل أن نكمل هذا العمل الذي بدأناه، ومستعدون للاشتغال بالحدادة أو تلميع الأحذية في الأسواق أو أي شيء آخر يخطر على بالكم في سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة بإذن الله. ولن تستطيع جميع شياطين الدنيا أن تمنع إنجاز أمر يدعمه الله إلا بإذنه.
ومن هذا المنطلق، إن هددوا أمن طريق المؤمنين بأشياء غير منطقية، وكأنهم يلقون بهذا الطريق في التهلكة، ينبغي لنا عدم الاهتمام بهذا الأمر والتفكير على النحو التالي: ربما وهبنا الله إمكانيات كثيرة جدًا، وربما لو لم تكن هذه الإمكانيات في أيدينا وكانت في أيدي أشخاص آخرين، لفعلوا بإذن الله تعالى خمسة أضعاف ما فعلناه.
وهو ما يعني أننا لم نثمّن بعض الأشياء جيدًا، لم نستغل الإمكانيات التي وهبنا الله إياها بشكل مثمر من حيث الزمان والمكان والإمكان والبيئة. ولهذا قدّر الله أن يشعل في أنفسنا وقلوبنا جذوة ووهجاً روحيا من جديد: انتبهوا أكثر! وكونوا كالبنيان المرصوص! وتساندوا مثل تشابك الأصابع! وحاولوا ألا تنفصلوا عن بعضكم البعض مهما كانت الظروف سيئة! والتزموا الطريق الذي ترون معالمه حدِّد في إطار الكتاب والسنة!
إذا كان الطريق الذي تسيرون فيه صحيحًا، فإذا ارتددْتم فسيصفكم التاريخ بالمرتدين المنافقين المذبذبين. أسأل الله سبحانه وتعالى ألا يجعلكم كذلك أبدًا. وأنا أراكم جميعًا أشخاصًا أصحاب وجوه سمحة نقية مصدر إلهام للآخرين. وإن شاء الله تحافظون على خصائصكم هذه وتكملون المسير في طريقكم المبارك بإذن الله وحوله.
• “الكيان الموازي” مطية وذريعة، فالقضية عبارة عن قرارات قراقوشية ظالمة
هناك أشخاص ظُلموا وسُجنوا واستجوبوا. وهل هذه محاكمة عادلة أن يكون القاضي صاحب الدعوى والأمني هو الشاهد؟! وأصبحنا نشهد فضائح متزايدة ومتضاعفة كل يوم في هذه القضية.
أطلق أسلافنا وصف “الأحكام القراقوشية” على القرارات التي لا يمكن توضيحها بالعقل والمنطق أو التي تصدر عن طريق الغضب أو المحاباة. وقد انتقل هذا التعبير من جيل إلى جيل وكأنه طرفة. وكان من بين هذه الحكايات ما يلي:
يذهب أقارب أحد اللصوص إلى القاضي قراقوش ويشكون إليه صاحب المنزل الذي سرقه قربيهم، ويقولون: “يا سيدي القاضي! لقد وضعوا طلاءً كثيفًا على نافذة المنزل حتى أصبحت ملساء تمامًا، مما أدى إلى سقوط قريبنا وهو يهرب من النافذة حتى كُسرت أو شُلّت ذراعه!”. فيستدعي القاضي صاحب المنزل لاستجوابه، فيقول الرجل “سيدي القاضي، لقد كلّفت أحد النقّاشين بطلاء النافذة، وقد استخدم الكثير من الدهان، والذنب ذنبه وليس ذنبي!”، فينجح في النجاة بنفسه من التهمة.
وعندما لا يجد النقّاش أي حجة يدافع بها عن نفسه، يصدر قراقوش حكمًا بإعدامه. فيبادر الحرّاس إلى اقتياده إلى غرفة الإعدام. بيد أنهم لا يستطيعون إعدامه لطول قامته وقصر منصة الإعدام. وعندما ينقل الحرّاس هذا الخبر إلى القاضي قراقوش، يقول لهم “اذهبوا وابحثوا عن نقّاشٍ قامته أقصر من هذا النقّاش، ونفّذوا عليه حكم الإعدام!”.
إن هذه الواقعة تجسّد تمامًا الوضع المؤلم الذي يعيشه الأشخاص المتعقلون والمستجوبون بحجة انتمائهم إلى “الكيان الموازي” ظلمًا وزورًا. فالمسألة ليست إلا عبارة عن قرارات قراقوشية ظالمة.